النار، قال: ويحتمل أن من شرب منه من هذه الأمة، وقدر عليه دخول النار، لا يعذب فيها بالظمأ، بل يكون عذابه بغير ذلك، لأن ظاهر هذا الحديث أن جميع الأمة يشرب منه، إلا من ارتد، وصار كافرا، وسيأتي مزيد لهذه المسألة في فقه الحديث.
(من ورد شرب) أي من ورد حوضي، وفي الكلام قيد ملاحظ، أي من ورد الحوض ومكن من الشرب، ففي الأحاديث السابقة أن قوما يردون، فيذادون، فلا يشربون، ففي الرواية السابعة عشرة "ليردن علي الحوض رجال" وفي روايتنا الثانية عشرة "من ورد فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا" أو المراد من الورود الورود المفضي إلى الشرب الموصل إليه فعلا، والمراد من الورود مع الذود، والطرد، القرب والدنو منه.
(ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني) بعلامات، وليست المعاصرة والرؤية الدنيوية شرطا للمعرفة، ففي الرواية الرابعة والخامسة "مني ومن أمتي" لكن في الرواية السابعة عشرة "ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني" وفي الرواية التاسعة "فأقول: يا رب، أصحابي، أصحابي؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" فالظاهر أن المراد المعرفة بالرؤية والصحبة الشرعية، ويكونون ممن قتلوا في حروب الردة مثلا.
(ثم يحال بيني وبينهم) بينت رواية البخاري السابقة أحداث هذه الحيلولة، وإلى أين يذهبون، وفي الرواية التاسعة "ولأنازعن أقواما، ثم لأغلبن عليهم".
(إنك لا تدري ما عملوا بعدك) في الرواية الرابعة "أما شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم" كناية عن الردة والرجوع عن الإسلام، وفي الرواية السادسة والتاسعة "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
(فأقول: سحقا. سحقا. لمن بدل بعدي) "سحقا" بسكون الحاء، ويجوز ضمها، ومعناه بعدا، بعدا، ونصب بتقدير فعل، أي ألزمهم الله سحقا، يقال: سحقه الله وأسحقه، أي أبعده، وسحقته الريح، أي طردته، وأبعدته، والجملة خبرية.
(فقالت لماشطتها: كفي رأسي) بضم الكاف وتشديد الفاء، أي اجمعي شعري وضميه بعضه إلى بعض، لأغطيه، وأخرج.
(صلى على أهل أحد صلاته على الميت) قال النووي: أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت.
(وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ "مفاتيح" في اللفظين، بالياء، قال القاضي: وروي "مفاتح" بحذف الياء، فمن أثبتها فهو جمع مفتاح، ومن حذفها فهو جمع مفتح، وهما لغتان فيه.
وفي الرواية الثامنة "ثم صعد المنبر، كالمودع للأحياء والأموات" أي خرج إلى قتلى أحد، ودعا لهم، دعاء مودع، ثم دخل المدينة، فصعد المنبر، فكانت خطبته هذه آخر ما خطب، خطبة مودع، حتى قال النواس بن سمعان: قلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع.
وتوديع الأحياء ظاهر، لأن سياقه يشعر بأن ذلك كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وأما