توديع الأموات، فيحتمل أن يكون الصحابي أراد بذلك انقطاع زيارته الأموات بجسده، لأنه بعد موته - وإن كان حيا - فهي حياة أخروية، لا تشبه الحياة الدنيا، ويحتمل أن يكون المراد بتوديع الأموات، استغفاره لهم.
(فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر) أي فكانت هذه الخطبة آخر خطبه صلى الله عليه وسلم على المنبر، واكتفى بنفي الرؤية ليكون صادقا، إذ يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لم يره.
(فقال له المستورد: ألم تسمعه قال: الأواني؟ قال: لا) أي قال المستورد لشيخه: ألم تسمع شيخك يذكر في الحديث وصف أواني الحوض؟ قال الشيخ: لا. لم أسمع.
(فقال المستورد: ترى فيه الآنية مثل الكواكب)"ترى" بضم التاء، مبني للمجهول، بمعنى "تظن" و"الآنية" نائب فاعل، وهي للجنس، فما صدقها متعدد، و"مثل" مفعول منصوب، والمعنى تظن الأواني في الحوض مثل الكواكب، يخيل لرائيها أنها كواكب في الكثرة والصفاء واللمعان.
(إن أمامكم حوضا) بفتح الهمزة، أي قدامكم زمنا، وفي رواية "حوضي".
(والذي نفسي بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة، من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه) أي آخر حياته، أي أبدا، قال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم "آنية الجنة" فضبطه بعضهم برفع "آنية" وبعضهم بنصبها، وهما صحيحان فمن رفع فخبر مبتدأ محذوف، أي هي آنية الجنة، ومن نصب فبإضمار "أعني" أو نحوه.
(إني لبعقر حوضي) العقر بضم العين وفتحها، مع سكون القاف، وهو أصل كل شيء، وعقر الدار وسطها.
(أذود الناس لأهل اليمن) أي أدفعهم بعيدا، لأخلي الحوض أو أوسع لشرب أهل اليمن، لسبقهم إلى الإسلام، وتمسكهم به، وإخلاصهم له، ورقة قلوبهم فيه.
(أضرب بعصاي، حتى يرفض عليهم) أي حتى يسيل عليهم، ويتمكنوا منه، قال القاضي: وعصاه المذكورة في هذا الحديث هي المكنى عنها بالهراوة في وصفه صلى الله عليه وسلم في كتب الأوائل بصاحب الهراوة، قال أهل اللغة: الهراوة بكسر الهاء العصا، قال: ولم يأت لمعناها في صنعه صلى الله عليه وسلم تفسير إلا ما يظهر في هذا الحديث، قال النووي: وهذا الذي قال في تفسير الهراوة بهذه العصا بعيد أو باطل، لأن المراد بوصفه بالهراوة تعريفه بصفته، يراها الناس معه، فيستدلون بها على صدقه، وأنه المبشر به، المذكور في الكتب السابقة، فلا يصح تفسيرها بعصا تكون في الآخرة، والصواب في تفسير صاحب الهراوة ما قاله الأئمة المحققون أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسك القضيب بيده كثيرا، وقيل: لأنه كان يمشي والعصا بين يديه، وتغرز له، فيصلي إليها، وهذا مشهور في الصحيح.