(لأذودن عن حوضي رجالا، كما تذاد الغريبة من الإبل) قال النووي: معناه كما يذود الساقي الناقة الغريبة عن إبله، إذا أرادت الشرب مع إبله. اهـ. والحكمة في الذود المذكور، أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يرشد كل أحد إلى حوض نبيه، على ما تقدم أن لكل نبي حوضا، وبأنهم يتباهون بكثرة من يتبعهم، فيكون ذلك من جملة إنصافه، ورعاية إخوانه من النبيين، لا أنه يطردهم بخلا عليهم بالماء، ويحتمل أنه يطرد من لا يستحق الشرب من الحوض. كذا قال الحافظ ابن حجر، وفيه نظر، فليس في الحديث إشارة إلى الدلالة على حوض آخر، وكل ما فيه الإبعاد عن حوضه، والاحتمال الثاني صحيح، ولا شيء فيه، والظاهر أن هؤلاء الرجال من أمم أخرى غير الإسلام، لتشبيههم بالإبل الغريبة.
(حتى إذا رأيتهم، ورفعوا إلي اختلجوا دوني)"ورفعوا إلي" بالبناء للمجهول، أي أظهرهم الله حتى أعرفهم اقتطعوا وانتزعوا بعيدا عني.
(ما بين لابتي حوضي) أي ما بين ناحيتي حوضي، كما جاء في الرواية الثامنة عشرة، وأصلها الأرض ذات الحجارة السود، فأطلقت على مطلق شاطئ الحوض.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: قال القاضي عياض رحمه الله: أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة، لا يتأول، ولا يختلف فيه، قال القاضي: وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن عمرو بن العاص وعائشة وأم سلمة، وعقبة بن عامر وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب، والمستورد وأبي ذر، وثوبان وأنس وجابر بن سمرة، ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر الصديق وزيد بن أرقم وأبي أمامة وعبد الله بن زيد، وأبي برزة وسويد بن جبلة، وعبد الله بن الصنابحي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وغيرهم، قال النووي: ورواه البخاري ومسلم أيضا من رواية أبي هريرة، ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب وعائذ بن عمر وآخرين، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور، بأسانيده وطرقه المتكاثرات، قال القاضي: وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواترا، اهـ وزاد الحافظ ابن حجر طرقا أخرى، ثم قال:
فجميع من ذكرهم عياض خمسة وعشرون نفسا، وزاد عليه النووي ثلاثة، وزدت عليهم أجمعين قدر ما ذكروه، فزادت العدة على الخمسين، ولكثير من هؤلاء الصحابة زيادة على الحديث الواحد، كأبي هريرة وأنس وابن عباس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو، وأحاديثهم بعضها في مطلق ذكر الحوض، وفي صفته قال: وبلغني أن بعض المتأخرين وصلها إلى رواية ثمانين صحابيا.
وقال القرطبي في المفهم: مما يجب على كل مكلف أن يعلمه، ويصدق به أن الله تعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي، وقد أجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف، وأنكرت ذلك طائفة من المبتدعة، وأحلوه عن ظاهره، وغالوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية، تلزم من