حمله على ظاهره وحقيقته، ولا حاجة تدعو إلى تأويله، فخرق من حرفه إجماع السلف، وفارق مذهب أئمة الخلف، قال الحافظ ابن حجر: أنكره الخوارج وبعض المعتزلة.
وقد اختلف العلماء في موقع الحوض والشرب منه من أحداث الآخرة، فبعضهم يرى أنه بعد الصراط، وبعضهم يرى أنه قبل الصراط، وبعضهم يرى أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين أحدهما قبل الصراط والآخر بعد الصراط في الجنة.
قال الحافظ ابن حجر: وإيراد البخاري لأحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة، وبعد نصب الصراط إشارة منه إلى أن الورود على الحوض يكون بعد نصب الصراط، والمرور عليه، وقد أخرج أحمد والترمذي عن أنس قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي، فقال: أنا فاعل، فقلت: أين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط، قلت: فإن لم ألقك؟ قال: أنا عند الميزان، قلت فإن لم ألقك؟ قال: أنا عند الحوض".
وقد استشكل كون الحوض بعد الصراط، بما جاء في بعض أحاديث الباب من أن جماعة يدفعون عن الحوض، بعد أن يكادوا يردون، ويذهب بهم إلى النار، ووجه الإشكال أن الذي يمر على الصراط إلى أن يصل إلى الحوض، يكون قد نجا من النار، فكيف يرد إليها؟ قال الحافظ: ويمكن أن يحمل على أنهم يقربون من الحوض، بحيث يرونه ويرون النار، فيدفعون إلى النار، قبل أن يخلصوا من بقية الصراط، اهـ. وهذا احتمال بعيد مستبعد.
وذهب القرطبي إلى أن الحوض يكون قبل الصراط، فإن الناس يردون الموقف عطاشى، فيرد المؤمنون الحوض، وتتساقط الكفار في النار، بعد أن يقولوا: ربنا عطشنا؟ فترفع لهم جهنم، كأنها سراب، فيقال: ألا ترون؟ فيظنونها ماء، فيتساقطون فيها، وقد رد عليه الحافظ ابن حجر بأن الصراط جسر جهنم، وأنه بين الموقف والجنة، وأن المؤمنين يمرون عليه، لدخول الجنة، فلو كان الحوض دونه لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر في الحوض، وظاهر الحديث أن الحوض بجانب الجنة، لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها.
قال القرطبي: والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين، أحدهما في الموقف، قبل الصراط، والآخر داخل الجنة، وكل منهما يسمى كوثرا.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - من قوله في الرواية السابعة "وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن" قال النووي: هذا تصريح بأن الحوض حوض حقيقي، على ظاهره، وأنه مخلوق موجود الآن.
٢ - وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، لتفخيم الشيء وتوكيده.
٣ - ومن قوله "أعطيت مفاتيح خزائن الأرض" معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن معناه الإخبار بأن أمته تملك خزائن الأرض، وقد وقع ذلك والحمد لله.
٤ - ومن قوله "وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي" أن الأمة لا ترتد جملة، وقد عصمها الله تعالى من ذلك.