أما سجودها واستئذانها فالذي أميل إليه أن المراد به الخضوع والانقياد لتسخير القادر الحكيم، فالحديث يعبر عن لسان الحال، لا عن لسان المقال، وإن كان بعض الأفاضل قد ذهب إلى أن للشمس وغيرها من الكواكب إدراكا وتمييزا، استنادا إلى قوله تعالى:{كل في فلك يسبحون}[الأنبياء: ٣٣] وقوله: {إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}[يوسف: ٤] بضمير العقلاء {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}[الإسراء: ٤٤]. قال ابن العربي: أنكر قوم سجودها، وهو صحيح ممكن. وقال الألوسي: والذي يخطر بالبال أن الشمس وكذا سائر الكواكب مدركة عاقلة، وقد مال إلى ما أميل إليه الحافظ ابن حجر، إذ قال: يحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة، أو تسجد بصورة الحال، فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع ذلك الحين. والله أعلم.
وأما عن النقطة الثانية: فقد روى البخاري عن نافع، قال عبد الله: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال، فقال: إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية.
قال الحافظ ابن حجر: اختلف في أمر الدجال من أين يخرج؟ وما الذي يدعيه؟ وما الذي يظهر عند خروجه من الخوارق، حتى يكثر أتباعه؟ ومتى يهلك؟ ومن يقتله؟
ثم أجاب عن السؤال الأول: بأنه يخرج من قبل المشرق، واستدل على أنه يخرج من خراسان، بما أخرجه أحمد والحاكم، وعلى أنه يخرج من أصبهان بما أخرجه مسلم.
وعن السؤال الثاني: بأنه يخرج أولا، فيدعي الإيمان والصلاح، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الإلهية، واستدل بما أخرج الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم "الدجال ليس به خفاء، يجيء من قبل المشرق فيدعو إلى الدين، فيتبع ويظهر، فلا يزال حتى يقدم الكوفة، فيظهر الدين ويعمل به، فيتبع ويحث على ذلك، ثم يدعي أنه نبي، فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، فيمكث بعد ذلك، فيقول: أنا الله، فتغشى عينه، وتقطع أذنه، ويكتب بين عينيه كافر، فلا يخفى على كل مسلم، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثال حبة من خردل من إيمان". قال الحافظ ابن حجر: وسنده ضعيف.
وعن السؤال الثالث: روي ما أخرجه نعيم بن حماد من طريق كعب الأحبار. قال: يأتي النهر فيأمره أن يسيل إليه فيسيل، ثم يأمره أن يرجع فيرجع، ثم يأمره أن ييبس فييبس، ويأمر الريح أن تثير سحابا من البحر، فتمطر الأرض.
وما رواه مسلم "معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء" وفي رواية "معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار".
وعن السؤال الرابع والخامس قال: إنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها إلا مكة والمدينة، ثم يقصد بيت المقدس، فينزل عيسى، فيقتله. ثم قال: أخرجه مسلم.
"أما بعد" فإن النفس لا تطمئن إلى هذه الإجابات عن الأسئلة الخمسة، ولا يضرنا في ديننا أن