نمسك عن الخوض في هذه التفاصيل، ويزيدنا تمسكا بهذا الاعتقاد ما رواه البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته، وإنه قال لي: ما يضرك منه؟ قلت: لأنهم يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء، قال: بل هو أهون على الله من ذلك".
وكل ما يجب علينا أن نؤمن بأن الدجال من علامات الساعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في الصحيح بذلك، وكان يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال. والله أعلم.
وأما عن النقطة الثالثة: ففيها يقول الله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: ٨٢].
وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام، فتجلو وجه المؤمن بالخاتم [أي تصقله] وتحطم أنف الكافر بالعصا، حتى يجتمع الناس على الخوان، يعرف المؤمن من الكافر"
وقد بالغ كثير من الناس -استنادا إلى آثار ضعيفة - في وصف الدابة وأذنها وعينها وقرنها وعنقها وصدرها وخاصرتها وذنبها وقوائمها ولونها وصوتها -بأوصاف لا تكاد تعقل.
ويعجبني ما ذكر في البحر قال: اختلفوا [في ماهيتها، وشكلها، ومحل خروجها، وعدد خروجها، ومقدار ما يخرج منها، وما تفعل بالناس، وما الذي تخرج به] اختلافا مضطربا معارضا بعضه بعضا، فليطرح ذكره لأن نقله تسويد للورق بما لا يصح، وتضييع لزمان نقله. اهـ.
قال الألوسي، بعد أن نقل بعض أوصافها وأحوالها، ونقل كلام البحر، قال من كلام البحر: وهو كلام حق، وإنما نقلت بعض ذلك دفعا لشهوة من يحب الاطلاع على شيء من أخبارها، صدقا كان أو كذبا. والله أعلم.
وأما عن النقطة الرابعة: فقد قال الطيبي: الآيات أمارات الساعة، إما عن قربها، وإما على حصولها: فمن الأول الدجال، ونزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، والخسف، ومن الثاني الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس. اهـ.
وظاهر الرواية الثانية من رواياتنا التي معنا أن الدجال بعد طلوع الشمس من مغربها، وهو مشكل، إذ نصها "ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض" مشكل لأن طلوع الشمس من المغرب لو كان قبل الدجال لم ينفع الكفار إيمانهم في زمن عيسى ولكنه ينفعهم.
وقد حاول بعضهم رفع هذا الإشكال، فقال: لعل حصول ذلك يكون متتابعا بحيث تبقى النسبة إلى الأول منها مجازية، استئناسا بما أخرجه أحمد "الآيات خرزات منظومات في سلك إذا انقطع تبع بعضها بعضا" ورده الحافظ ابن حجر فقال: هذا بعيد، لأن مدة لبث الدجال إلى أن يقتله عيسى، ثم لبث عيسى وخروج يأجوج ومأجوج، كل ذلك سابق على طلوع الشمس من مغربها. اهـ.