والتحقيق: أن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب بين المعطوفات، والرواية لم تقصد ترتيب الآيات، وإنما قصدت أن مجموعها غاية ينتهي عندها نفع الإيمان، بقطع النظر عن أيها السابق في الوجود، ويضاف إلى ذلك احتمال كونها رواية بالمعنى، وأن الراوي أخر ما قدمه الرسول صلى الله عليه وسلم.
نعم يرد على هذا ما رواه مسلم عن عمرو بن العاص رفعه "أول الآيات طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، فأيهما خرجت قبل الأخرى فالأخرى منها قريب".
ويجاب بأن الأولية أولية نسبية، فقد يكون الشيء أولا باعتبار، وليس أولا باعتبار آخر، ولهذا يقول الحافظ ابن حجر: والذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب، والحكمة في ذلك أنه عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر تكميلا للمقصود من إغلاق باب التوبة.
وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس، كما جاء في الحديث:"وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب".
وأما عن النقطة الخامسة: فقد روى مسلم عن أبي هريرة رفعه "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" وروى أبو داود والنسائي عن معاوية رفعه "لا تزال تقبل التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" وأخرج أحمد والطبراني: "لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل" وأخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو رفعه "إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا، ينادي: إلهي مرني أن أسجد لمن شئت" وأخرج الترمذي: "إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه" وعند ابن مردويه "فإذا طلعت من مغربها رد المصراعان فيلتئم ما بينهما، فإذا أغلق ذلك الباب لم تقبل بعد ذلك توبة، ولا تنفع حسنة، إلا من كان يعمل الخير قبل ذلك فإنه يجري لهم ما كان قبل ذلك".
وعند نعيم بن حماد عن عبد الله بن عمرو قال: لا يلبثون بعد يأجوج ومأجوج إلا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها، فيناديهم مناد، يا أيها الذين آمنوا قد قبل منكم، ويا أيها الذين كفروا قد أغلق عنكم باب التوبة، وجفت الأقلام، وطويت الصحف" وفي رواية: "إذا طلعت الشمس من المغرب يطبع على القلوب بما فيها، وترتفع الحفظة، وتؤمر الملائكة ألا يكتبوا عملا.
قال القاضي عياض: والحكمة في ذلك أن هذا أول ابتداء قيام الساعة بتغير العالم العلوي، فإذا شوهد ذلك حصل الإيمان الضروري بالمعاينة وارتفع الإيمان بالغيب، فهو كالإيمان عند الغرغرة، وهو لا ينفع، فالمشاهدة لطلوع الشمس من المغرب مثله. اهـ.