المرأة التي ترضعه حدادا، والظئر بكسر الظاء وسكون الهمزة بعدها راء هو المرضع، وأطلق عليه ذلك لأنه كان زوج المرضعة، وأصل الظئر من ظأرت الناقة، إذا عطفت على غير ولدها، فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها، وأطلق ذلك على زوجها، لأنه يشاركها في تربيته غالبا، فلفظة "الظئر" تطلق على الأنثى والذكر "فيأخذه، فيقبله، ثم يرجع" إلى المدينة.
(قال أنس: لقد رأيته - أي رأيت إبراهيم - وهو يكيد بنفسه، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية للبخاري "قال أنس: ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه" أي يموت، أي يخرج نفسه، ويدفعها، كما يدفع الإنسان ماله، ومعنى "وهو يكيد بنفسه" أي يسوقها.
(فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية للبخاري "فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان" أي يجري دمعهما، وعند البخاري "فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ "أي الناس لا يصبرون على المصيبة، وأنت تفعل كفعلهم؟ كأنه تعجب من ذلك، مع عهده منه أنه يحث على الصبر، وينهى عن الجزع.
(فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا والله - يا إبراهيم - إنا بك لمحزونون)"ما يرضى" بفتح الياء وسكون الراء وفتح الضاد، و"ما" موصولة، والعائد مفعول "يرضى" محذوف، أي ما يرضاه ربنا وفي رواية للبخاري "فقال يا ابن عوف، إنها رحمة - أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد، لا ما توهمته من الجزع - "أي أتبع الدمعة الأولى بدمعة أخرى" وقيل: أتبع الكلمة الأولى المجملة، وهي قوله "إنها رحمة" بكلمة أخرى مفصلة، وهي قوله "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" وفي رواية "قال عبد الرحمن بن عوف: تبكي يا رسول الله؟ أولم تنه عن البكاء؟ وزاد فيها" قال صلى الله عليه وسلم: إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين. صوت عند نغمة لهو، ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة، خمشة وجوه، وشق جيبوب، ورنة شيطان" قال: إنما هذا رحمة، ومن لا يرحم لا يرحم" وفي رواية "إنما أنا بشر" وفي رواية "أنهى الناس عن النياحة، أن يندب الرجل بما ليس فيه" وفي رواية "ولا نقول ما يسخط الرب" في رواية "لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وسبيل نأتيه، وإن آخرنا سيلحق بأولنا، لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا".
(فيدخل البيت وإنه ليدخن) بضم الياء وتشديد الدال المفتوحة وفتح الخاء، يقال: ادخنت النار البيت، بهمزة وصل وتشديد الدال المفتوحة وفتح الخاء والنون أي ملأته دخانا.
(إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين، تكملان رضاعه في الجنة) مات إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهرا، وجزم الواقدي بأنه مات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، وقال ابن حزم: مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، ومعنى "وإنه مات في الثدي" أي في سن رضاع الثدي، أو في حال تغذيه بلبن الثدي، ومعنى "وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة" أي إن له مرضعتين تتمان رضاعه سنتين، فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن، قال صاحب التحرير: وهذا الإتمام لإرضاع إبراهيم رضي الله عنه يكون عقب موته، فيدخل الجنة، متصلا بموته، فيتم رضاعه، كرامة له ولأبيه صلى الله عليه وسلم.