(فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة. رويدك، سوقا بالقوارير) في الرواية الثانية "فقال: ويحك يا أنجشة، رويدا، سوقك بالقوارير" وفي الرواية الثالثة "أي أنجشة: رويدا، سوقك بالقوارير" وفي الرواية الرابعة "رويدا يا أنجشة، لا تكسر القوارير" يعني ضعفة النساء.
وفي رواية " يا أنجش" على الترخيم، وفي رواية "ارفق" وفي رواية "رويدك ارفق" وفي رواية "كذلك سوقك" أي كفاك سوقك، وفي رواية "رويدك سوقك، ولا تكسر القوارير" والقوارير جمع قارورة، وهي الزجاجة، قيل: سميت بذلك لاستقرار الشراب فيها، كنى عن النساء بالقوارير، لرقتهم وضعفهن عن الحركة، والنساء يشبهن بالقوارير في الرقة واللطافة وضعف البنية، والكناية لفظ أطلق، وأريد منه لازم معناه، فكأنه قال: رفقا بالضعيفات المحمولات على الإبل، وقيل: شبهن بالقوارير لسرعة انقلابهن عن الرضا، وقلة دوامهن على الوفاء، كالقوارير، يسرع إليها الكسر ولا تقبل الجبر، والأول أولى في هذا المقام، وقيل: أراد بالقوارير الإبل، وكان في سوق أنجشة لها عنف، فأمر أن يرفق بالمطايا، وهذا أبعد من سابقه، والهدف من الأمر بالرفق أحد احتمالين أو هما معا، الأول أن الحداء دفع الإبل إلى الإسراع، أو أن سوقه العنيف دفع الإبل إلى الإسراع، مما يقلق الراكبات، ويزعزعهن، ويحول دون راحتهن، فأمر بالعمل على راحة الراكبات، والرفق بهن، والثاني أن أنجشة كان حسن الصوت، وأكثر من الحداء، وحسن صوته يحرك نفوس النساء، ويضعف عزائمهن، فخشي من سماعهن النشيد أن يقع بقلوبهن منه شيء، فأمر بالكف عن الحداء.
قال عياض: وقوله "رويدا" منصوب على أنه صفة لمحذوف، دل عليه اللفظ السابق، أي سق سوقا رويدا، أو احد حدوا رويدا، أو منصوب على المصدر، أي أورد رويدا، مثل ارفق رفقا، أو على الحال، أي سر رويدا، و"رويدك" منصوب على الإغراء، أو مفعول بفعل مضمر، أي الزم رفقك، وقيل:"رويدك" إما مصدر، والكاف في محل خفض، وإما اسم فعل والكاف حرف خطاب، وقال الراغب: يقال: أورد، يورد كأمهل يمهل لفظا ومعنى، وهو من الرود بفتح الراء، وسكون الواو، وهو التردد في طلب الشيء برفق ويقال: راد، وارتاد، والرائد طالب الكلأ، ورادت المرأة، ترود إذا مشت على هنيتها، وقال الرامهرمزي: رويدا تصغير رود، وهو مصدر فعل الرائد، وهو المبعوث في طلب الشيء، ولم يستعمل في طلب المهلة، إلا مصغرا، وقال السهيلي: قوله "رويدا" أي أرفق، جاء بلفظ التصغير لأن المراد التقليل، أي ارفق قليلا.
و"سوقك" منصوب على نزع الخافض، أي ارفق في سوقك، أو سقهن كسوقك، وقال القرطبي في المفهم:"سوقك" مفعول به، وفي الرواية الأولى "سوقا" وهو منصوب على الإغراء، أو على المصدر.
وجاء في الرواية الثانية "ويحك يا أنجشة، رويدا سوقك بالقوارير" قال النووي: هكذا وقع في مسلم "ويحك" ووقع في غيره "ويلك" قال سيبويه "ويل" كلمة تقال لمن وقع في هلكة، و"ويح" زجر لمن أشرف على الوقوع في هلكة، وقال الفراء: ويح، وويك، وويس بمعنى، وقيل:"ويح" كلمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها، أي فيرثى له، ويترحم عليه، و"ويل" ضده، قال القاضي: قال بعض أهل اللغة" لا يراد بهذه الألفاظ حقيقة الدعاء، وإنما يراد بها المدح والتعجب، اهـ. ولا يصلح هذا القول في هذا المقام.