والثاني طيب معمول من أخلاط، يجمعها الزعفران، وقيل: هو الزعفران نفسه، وعند البيهقي "ولا شممت مسكا، ولا عنبرا، ولا عبيرا" ذكرهما جميعا، والعرف بفتح العين وسكون الراء، الريح الطيب، ووقع في بعض الروايات "عرقا" بفتح العين والراء والقاف، و"أو" في روايات "أو" للتنويع.
(ولا مسست شيئا قط، ديباجا، ولا حريرا، ألين مسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الرواية الثالثة "ولا مسست ديباجة، ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم""مسست" السين الأولى مكسورة، ويجوز فتحها، والثانية ساكنة، وقد استشكل هذا بما جاء في البخاري "إنه كان ضخم اليدين" وفي رواية "والقدمين" وفي رواية "شئن القدمين والكفين" فسره الأصمعي بغليظهما في خشونة، قال الحافظ ابن حجر: والجمع بينهما أن المراد اللين في الجلد، والغلظ في العظام، فيجتمع له نعومة البدن، وقوته، أو حيث وصف باللين واللطافة، أريد حيث لا يعمل بهما شيئا، أو بالنسبة إلى أصل الخلقة، وحيث وصف بالغلظ والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل، فإنه كان يتعاطى كثيرا من أموره بنفسه صلى الله عليه وسلم. اهـ.
ولم يوافق كثير من اللغويين الأصمعي على تفسير "شئن" بالخشونة، وفسروه بالغلظ فقط، وقال ابن بطال: كانت كفه صلى الله عليه وسلم ممتلئة لحما، غير أنها مع خضامتها كانت لينة، اهـ. وقد نقل ابن خالويه أن الأصمعي لما فسر الشئن بما مضى، قيل له: إنه ورد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فآلى على نفسه أنه لا يفسر شيئا في الحديث. اهـ.
وعندي أن حديث أنس يصف كفه صلى الله عليه وسلم باللين والنعومة، وهذا الوصف أمر نسبي، يرتبط بكف من يمس كفه صلى الله عليه وسلم، فإن كان خشنا أحس في المقابل بنعومة ولين، كما يرتبط بالأكف التي يمسها أنس، فإن كانت خشنة - كما هي العادة في العرب الأوائل - أحس بنعومة كفه صلى الله عليه وسلم - والظاهر أن كفه صلى الله عليه وسلم كانت بين النعومة والخشونة، فالنعومة واللين بإطلاق وصف حسن في النساء، والخشونة بإطلاق وصف امتهان، والممدوح في الرجال الوسطية بين النعومة والخشونة. والله أعلم.
والديباج نوع من الحرير، فعطف الحرير عليه هنا من عطف العام على الخاص. وفي رواية للبخاري "حريرا ولا ديباجا".
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون) أي أبيض مشربا بحمرة، فعند الترمذي والحاكم "كان أبيض، مشربا بياضه بحمرة" وعند البيهقي في الدلائل "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، بياضه إلى السمرة" وعند أحمد والبزار بإسناد صحيح "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمر" وفي الروايات الصحيحة إطلاق كونه أبيض، فعند البزار بإسناد قوي "كان شديد البياض" وعند الطبراني "ما أنسى شدة بياض وجهه، مع شدة سواد شعره" وفي شعر أبي طالب: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه. وعند أحمد "فنظرت إلى ظهره، كأنه سبيكة فضة" قال الحافظ ابن حجر: وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض، وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالطه الحمرة. وجمع البيهقي بأن المشرب بحمرة وسمرة من جلده صلى الله عليه وسلم ما تعرض للشمس، وأما تحت الثياب فهو أبيض أزهر. اهـ. يريد أبيض خالصا، غير مشرب بسمرة، فمن معاني الأزهر الأبيض الصافي المشرق.