(فإنه قدم أرض جبار) قال الحافظ ابن حجر: اسم الجبار المذكور عمر بن امرئ القيس بن سبأ، وأنه كان على مصر، وقيل: اسمه صادوق، وكان على الأردن، وقيل غير ذلك.
(ومعه سارة وكانت أحسن الناس) في رواية البخاري "من أحسن الناس" وفي رواية "هاجر إبراهيم بسارة، فدخل بها قرية، فيها ملك أو جبار، فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء".
قال الحافظ ابن حجر: واختلف في والد سارة - مع القول بأن اسمه هاران - فقيل: هو ملك حران، وأن إبراهيم تزوجها لما هاجر من بلاد قومه إلى حران، وقيل: هي ابنة أخيه، وكان ذلك جائزا في تلك الشريعة، حكاه ابن قتيبة والنقاش، واستبعد. وقيل: بل هي بنت عمه.
قال الحافظ ابن حجر: والجمهور على أنها ليست بنبية.
(فقال لها: إن هذا الجبار، إن يعلم أنك امرأتي، يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام) فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك، فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار، أتاه، فقال له:(لقد قدم أرضك امرأة، لا ينبغي لها أن تكون إلا لك، فأرسل إليها، فأتي بها) في هذه الرواية طي، أوضحته رواية البخاري، ولفظها "بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ههنا رجلا، معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة، قال: يا سارة، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني عنك، فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني، فأرسل إليها" فروايتنا ليس فيها تصريح بأنه كذب، وقال عن زوجته: أختي، والواقع أن الجبار طلب إبراهيم أولا، وسأله عنها فقال له إبراهيم: إنها أختي. ثم رجع إبراهيم إليها فأخبرها بذلك، لئلا تكذبه عنده، وقال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يجمع بينهما بأن إبراهيم أحس بأن الملك سيطلبها منه، فأوصاها بما أوصاها، فلما وقع ما حسبه أعاد عليها الوصية.
واختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه الوصية، مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها، أختا كانت أو زوجة، فقيل: كان من دين ذلك الملك أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج، فكانت عنده شهوة قتل الزوج، واغتصاب الزوجة، فأراد إبراهيم دفع أعظم الضررين، بارتكاب أخفهما، وهذا التقرير قريب مما جاء عن وهب بن منبه عند ابن حميد في تفسيره، وقريب مما ذكره المنذري في حاشية السنن عن بعض أهل الكتاب، وهو مأخوذ من كلام ابن الجوزي في مشكل الصحيحين أما من قال: إنه كان عند دين الملك أن الأخ أحق بأن تكون أخته زوجته من غيره، فلذلك قال: هي أختي، اعتمادا على ما يعتقده الجبار، فلا ينازعه فيها - فإنه متعقب بأنه لو كان ذلك لقال: هي أختي وأنا زوجها، ولا يقتصر على قوله: هي أختي، وأيضا فالجواب إنما يفيد لو كان من الجبار يريد أن يتزوجها، لا أن يغتصبها نفسها.
وقد أشكل على قوله "لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك" بلوط عليه السلام، فقد كان معه، كما قال تعالى {فآمن له لوط}[العنكبوت: ٢٦] قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يجاب بأن مراده بالأرض التي وقع له فيها ما وقع، ولم يكن معه لوط.