إنما يعرف الفضل للناس ذووه، وذكر الفضائل، والثناء على من يستحق الثناء حق لأهل الخير، وعلى من انتفع منهم، {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}[الرحمن: ٦٠]"من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له"
إن تسجيل الفضائل والتنويه بها نوع من أنواع شكرها والله تعالى يقول {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}[البقرة: ١٥٢] ويقول {لئن شكرتم لأزيدنكم}[إبراهيم: ٧].
وتسجيل الفضائل والتنويه بها رد لبعض جميل صاحبها، وحث وترغيب للاقتداء به، ومعرفة قدره، ومن هنا عقد علماء الحديث كتابا لفضائل الصحابة، ومن هنا أثنى صلى الله عليه وسلم على أصحابه وذكر مآثر لكثير منهم، ورفع من قدر أعمالهم وجهادهم.
فأثنى بالدرجة الأولى على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أول من أسلم من الرجال، وكان إيمانه تصديقا لا نظير له، حتى لقب بالصديق، وأنفق على الدعوة كل ماله، أسلم وهو يملك أربعين ألف درهم أنفقها كلها في سبيل الإسلام، اشترى العبيد الذين أسلموا، وأوذوا لإسلامهم، وأعتقهم، وأنفق على هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته عائشة رضي الله عنها فكانت بلسما لجراحه، وأنسا وسعادة لحياته في بيته، وشاركه في جميع غزواته، وجاهد في الله حق جهاده، وكان كوزيره الأول في إدارة شئون أمته، وكان الأخ الأول في أخوة الإسلام، وكان ثاني اثنين إذ هما في الغار، وكان رفيق رحلة الهجرة، بل كان خير من يرافق في السفر روي أنه كان في هذه الرحلة يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تارة، ويتأخر عنه أخرى فلما سئل قال: أخشى الرصد من أمامنا فأتقدم لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم والصد عنه، وأخشى الملاحقة والمتابعة من خلفنا، فأتأخر للدفاع عنه.
لقد كان أحب الرجال إليه صلى الله عليه وسلم وأول من يثق فيه من أصحابه والمرشح الأول من جهته للخلافة، ولقد هم صلى الله عليه وسلم أن يعينه خليفة من بعده، لكنه - وبالوحي - علم أنه سيكون كذلك عن طريق الأمة، فقال: لقد هممت أن أكتب كتابا أوصي فيه بخلافة أبي بكر ولكني قلت: يأبى الله إلا خلافة أبي بكر، كتبت أو لم أكتب ويدفع المؤمنون الطامعين في الخلافة.
نعم أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارات واضحة لاستخلاف أبي بكر، فأمر بسد فتحات البيوت المحيطة بالمسجد، والتي يدخل منها الناس في المسجد إلا فتحته صلى الله عليه وسلم وفتحة بيت أبي بكر.
ويعد صلى الله عليه وسلم امرأة أن تأتيه بعد عام، فتقول المرأة: فإن لم أجدك بعد عام؟ فيقول لها: فائت أبا بكر، ويعينه صلى الله عليه وسلم رئيسا وإماما للمسلمين في حجتهم سنة تسع من الهجرة، قبل أن يحج بهم صلى الله عليه وسلم وأخيرا وفي مرضه صلى الله عليه وسلم حين عجز عن إمامة الناس في المسجد قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. فصلى أبو بكر بالناس ثلاثة أيام أو نحوها بدلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال قائل الصحابة: ائتمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديننا، أفلا نأتمنه على دنيانا؟ رضي الله عنه وأرضاه وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.