(من فضائل أبي بكر) واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم ابن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر.
صحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان به، واستمر معه طول الإقامة بمكة، ورافقه في الهجرة وفي الغار، وفي المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية معه يوم غزوة تبوك، وحج بالناس سنة تسع، وأسلم على يديه كثير من الصحابة، وأعتق سبعة، كلهم كان يعذب في الله، كان يشتغل بالتجارة، كان يملك أربعين ألفا، أنفقها في سبيل الله، كانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما، توفي لثمان بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وما ترك دينارا ولا درهما.
والفضائل جمع فضيلة، وهي الخصلة الجميلة، التي يحصل لصاحبها بسببها شرف وعلو منزلة، إما عند الحق، وإما عند الخلق.
(نظرت إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار) غار ثور، ولما كان الغار تجويفا في داخل جبل، أشعر هذا التعبير بأنه كان منخفضا، إلا أنه كان ضيقا.
(ما ظنك باثنين الله ثالثهما) المراد ناصرهما ومعينهما، وإلا فالله ثالث كل اثنين بعلمه.
(جلس على المنبر فقال عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا، وبين ما عنده، فاختر ما عنده) كانت هذه الخطبة في مرضه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم "قبل أن يموت بخمس ليال" وفي رواية للبخاري "إن الله خير عبدا بين الدنيا، وبين ما عنده، فاختار ما عند الله" وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، عاصبا رأسه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: .. " وزهرة الدنيا نعيمها وأعراضها، شبهت بزهرة الروض.
(فبكى أبو بكر وبكى) معناه: بكى كثيرا، وكان أبو بكر قد فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المقصود بالعبد المخير، بقرينة مرضه فبكى حزنا على فراقه، وانقطاع الوحي، وغيره من الخير وإنما قال صلى الله عليه وسلم "عبد" وأبهمه، لينظر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق، كذا قال النووي. والظاهر أن الإبهام لعدم إثارة العامة، وعدم إدخال الهم والحزن عليهم مبكرا ليبقوا بين الشك في البلاء وعدمه فترة، فيهون عليهم عند وقوعه.
وفي رواية للبخاري، يقول أبو سعيد الخدري "فعجبنا لبكائه، أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير؟ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا" وفي رواية "فقلت في نفسي" وفي رواية "فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد، وهو يقول: فديناك"؟ زاد في رواية للبخاري: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر. لا تبك".