للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي هذا إشارة إلى أصول الدين، وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله: {علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: ٥] قاله الحافظ ابن حجر.

وقد أشكل على الحديث أنه لم يرد أن جبريل ابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلام مع أن القرآن نص في قصة إبراهيم أن الملائكة "قالوا سلاما قال سلام" حين دخلوا عليه.

وقد أجيب عن هذا الإشكال باحتمال أن يكون سلم، وحذف ذكره، لأنه معتاد، وباحتمال أن تكون مشروعية ابتداء السلام تتعلق بالبشر، لا من الملائكة، وإن وقع ذلك منهم في بعض الأحيان.

قال الحافظ ابن حجر: والحالة التي سلموا فيها على إبراهيم كانوا في صورة البشر، فلا ترد هنا، ولا يرد سلامهم على أهل الجنة، لأن أمور الآخرة مغايرة لأمور الدنيا غالبا. اهـ.

والحكمة في الغط والجهد والمشقة أنه إشارة إلى ما سيحصل له من الشدة عند نزول القرآن، كما في حديث ابن عباس "كان يعالج من التنزيل شدة". وكما يشير إليه في قوله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: ٥].

وقال البلقيني: وهي حالة يؤخذ فيها عن حال الدنيا من غير موت، فهو مقام برزخي يحصل له عند تلقي الوحي.

وقال السهيلي: تأويل الغطات الثلاث أنها كانت إشارة إلى أنه سيقع له ولمن تبعه ثلاث شدائد، يبتلى بها، ثم يؤتى بالفرج: شدة الحصار بالشعب، وشدة التهديد والإيذاء مما دعا إلى الهجرة إلى الحبشة، وشدة المكر به ومحاولة قتله ليلة هجرته إلى المدينة، فكانت له العاقبة في الشدائد الثلاث. اهـ.

وقال البلقيني: ويمكن أن تكون المناسبة أن الأمر الذي جاءه به ثقيل من حيث القول والعمل والنية، أو من جهة التوحيد والأحكام والإخبار بالغيب الماضي والآتي، وأشار بالإرسالات الثلاث إلى حصول التيسير والتسهيل والتخفيف في الدنيا والبرزخ والآخرة عليه وعلى أمته. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: والحكمة في هذا الغط شغله عن الالتفات لشيء آخر، أو لإظهار الشدة والجد في الأمر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه، فلما ظهر أنه صبر على ذلك ألقي إليه.

ثم قال: وذكر بعض من لقيناه أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. إذ لم ينقل عن أحد من الأنبياء أنه جرى له عند ابتداء الوحي، مثل ذلك.

وقد استشكل على قوله صلى الله عليه وسلم "لقد خشيت على نفسي" بأنه كيف يخشى على نفسه ويتشكك بعد نزول الملك؟

وقد أجاب عن ذلك القاضي عياض، فقال: ليس هو بمعنى الشك فيما أتاه من الله تعالى، لكنه ربما خشي ألا يقوى على مقاومة هذا الأمر، ولا يقدر على حمل أعباء الوحي، فتزهق نفسه، أو يكون هذا لأول ما رأى من التباشير في النوم واليقظة. وسمع الصوت قبل لقاء الملك، وقبل تحققه من

<<  <  ج: ص:  >  >>