قال: نعم. قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتابا، فدعا بالصحيفة، ودعا عليا رضي الله عنه ليكتب، ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بهذه الآية {ولا تطرد الذين} إلخ، ثم دعانا، فأتيناه وهو يقول:"سلام عليكم. كتب ربكم على نفسه الرحمة" فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم، قام وتركنا فأنزل الله تعالى {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم}[الكهف: ٢٨] إلخ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم"
وأخرج ابن المنذر وغيره عن عكرمة قال: مشى عتبة وشيبة ابنا ربيعة وقرظة ابن عبد عمرو بن نوفل والحارث بن عامر ومطعم بن عدي في أشراف الكفار من عبد مناف، إلى أبي طالب، فقالوا: لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد والحلفاء كان أعظم له في صدورنا وأطوع له عندنا، وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه، فذكر ذلك أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو فعلت يا رسول الله؟ حتى ننظر ما يريدون بقولهم، وما يصيرون إليه من أمرهم؟ فأنزل الله تعالى {وأنذر به الذين يخافون} إلى قوله {أليس الله بأعلم بالشاكرين} وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى أبي حذيفة، وصبيحا مولى أسيد، والحلفاء بن مسعود والمقداد بن عمرو، وواقد بن عبد الله الحنظلي، وعمرو بن عبد عمرو، ومرثد بن أبي مرثد وأشباههم".
-[فقه الحديث]-
سعد بن مالك بن أهيب - ويقال له: وهيب - بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي، أبو إسحاق، ابن أبي وقاص، أحد العشرة، وآخرهم موتا، أحد فرسان الصحابة وأول من رمى بسهم في سبيل الله وأحد الستة أهل الشورى، وقال عمر في وصيته الماضية: إن أصابته الإمرة فذاك، وإلا فليستعن به الوالي، وكان رأس من فتح العراق، وولى الكوفة لعمر سنة إحدى وعشرين، وهو الذي بناها، وعزله عمر عنها، وأعاده عثمان إليها، ثم عزله، ولما قتل عثمان اعتزل الفتنة، ولزم بيته، مات بقصره بالعقيق على بعد عشرة أميال من المدينة، وحمل إليها على الأعناق، ودفن بالبقيع، وصلى عليه مروان بن الحكم مات سنة خمس وخمسين على الأشهر، ولما حضره الموت دعا بجبة له، خلقة، من صوف، فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر، وهي علي، وإنما كنت أخبؤها لهذا، وهو الذي فتح مدائن كسرى وأكثر مدن فارس، وله كان فتح القادسية وغيرها.
وكان سابع سبعة أسلموا، أسلم وهو ابن تسع عشرة سنة، وشهد بدرا والحديبية، وسائر المشاهد، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم سدد سهمه وأجب دعوته فكان مجاب الدعوة أخرج البخاري عن جابر بن سمرة قال: "شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر رضي الله عنه، شكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، قال أبو إسحاق أما أنا والله! فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق" وقال أحد الشاكين: "إن سعدا لا يسير بالسرية" أي لا يخرج للجهاد مع السرايا "ولا يقسم السوية ولا يعدل في القضية" فدعا عليه سعد ثلاث دعوات قال: "اللهم! إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن" فطال عمره، حتى سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن، وكان يقول: شيخ كبير مفتون. أصابته دعوة سعد.