رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وفاطمة - وقد جرى بينهما كلام - فقال: ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي؟ إن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع فقالت: يا رسول الله حدثنا عنهما فقال: كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة وكان الرجال خلوفا فقلن: تعالين نتذاكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب".
وأخرج النسائي عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية وفيه فقال صلى الله عليه وسلم: "اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع".
وفي رواية الزبير بن بكار عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي بعض نسائه فقال - يخضني بذلك - يا عائشة أنا لك كأبي زرع لأم زرع قلت: يا رسول الله ما حديث أبي زرع وأم زرع؟ قال: "إن قرية من قرى اليمن كان بها بطن من بطون اليمن وكان منهن إحدى عشرة امرأة وأنهن خرجن إلى مجلس فقلن: تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب" لكن في رواية الهيثم أنهن كن بمكة والراجح الأول فقد أفاد أبو محمد بن حزم فيما نقله عياض أنهن كن من خثعم وهم من أهل اليمن ووقع في رواية عند النسائي أنهن كن في الجاهلية.
قال الحافظ ابن حجر: وحكى عياض ثم النووي قول الخطيب في المبهمات: لا أعلم أحدا سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع إلا من طريق الزبير بن بكار وهو غريب جدا وذكر أسماء لا فائدة من ذكرها هنا وترتيبهن في رواية الزبير غير ترتيبهن في روايات الصحيحين فالأولى فيها هي الرابعة في الصحيحين والثانية فيها هي الثامنة في الصحيحين والثالثة فيها هي العاشرة والرابعة فيها هي الأولى والخامسة فيها هي التاسعة والسادسة فيها هي السابعة والسابعة فيها هي الخامسة والثامنة فيها هي السادسة والتاسعة فيها هي الثانية والعاشرة فيها هي الثالثة وقد اختلف كثير من الرواة في ترتيبهن قال الحافظ: ولا ضير في ذلك ولا أثر للتقديم والتأخير فيه.
(فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا) أي ألزمن أنفسهن عهدا وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقدا أن لا يكتمن من محاسن أو مساوئ أزواجهن شيئا من الأمور المهمة وفي رواية "أن يتصادقن بينهن ولا يكتمن" وفي رواية "أن ينعتن أزواجهن ويصدقن" وفي رواية "فتبايعن على ذلك".
(قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل) "الغث" بفتح الغين وتشديد الثاء الهزيل الذي يستغث من هزاله أي يستترك ويستكره، وكثر استعماله في مقابلة السمين، فيقال للحديث المختلط: فيه الغث والسمين و"غث" هنا يجوز جره صفة للجمل ورفعه صفة للحم والمشهور في الرواية الخفض والوعر الصعب في الوصول إليه لكثرة عوائق الصعود وفي رواية "وعث" بالثاء بدل الراء وهي أوفق للسجع أي صعب المرتقى بحيث توحل فيه الأقدام فلا يتخلص منه، ويشق فيه المشي ومنه وعثاء السفر وقولها "لا سهل" بالفتح بدون تنوين ويجوز فيه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي لا هو سهل ويجوز الجر على أنه صفة جمل وجبل والأمر نفسه في قوله "ولا سمين" وعند النسائي "لا سهلا ولا سمينا" وعنده أيضا "لا بالسمين ولا بالسهل" قال القاضي عياض: أحسن الأوجه عندي الرفع في الكلمتين من جهة سياق الكلام وتصحيح المعنى لا من جهة تقديم اللفظ وذلك أنها أودعت كلامها تشبيه