شيئين بشيئين، شبهت زوجها باللحم الغث وشبهت سوء خلقه بالجبل الوعر، ثم فسرت ما أجملت، فكأنها قالت: لا الجبل سهل فلا يشق ارتقاؤه لأخذ اللحم ولو كان هزيلا لأن الشيء المزهود فيه قد يؤخذ إذا وجد بغير نصب، ثم قالت: ولا اللحم سمين فتتحمل المشقة في صعود الجبل لأجل تحصيله. اهـ.
وقولها "ولا سمين فينتقل" من الانتقال أي أنه لهزاله لا يرغب أحد في الانتقال إليه وفي رواية "فينتقى" أي ليس له نقي يستخرج بكسر النون وسكون القاف والنقي المخ يقال: نقوت العظم ونقيته وانتقيته إذا استخرجت مخه وقد كثر استعماله في اختيار الجيد من الرديء قال القاضي عياض: أرادت أنه ليس له نقي، فيطلب لأجل ما فيه من النقى، وليس المراد أنه فيه نقي لا يطلب استخراجه، قالوا: آخر ما يبقى في الجمل مخ عظم المفاصل ومخ العين، وإذا نفدا لم يبق فيه خير، قالوا: وصفته بقلة الخير وبعده مع القلة فشبهته باللحم الذي صغرت عظامه عن النقى وخبث طعمه وريحه مع كونه في مرتقى يشق الوصول إليه فلا يرغب أحد في طلبه لينقله إليه مع توفر دواعي أكثر الناس على تناول الشيء المبذول مجانا.
وقال النووي: فالمعنى أنه قليل الخير من أوجه منها: كونه لحم جمل لا لحم ضأن - يقول بعضهم: ليس في اللحوم أشد غثاثة من لحم الجمل لأنه يجمع خبث الطعام وخبث الريح - ومنه أنه مع ذلك الغث المهزول الرديء من لحوم الجمال، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة وقال الخطابي: إن التشبيه بالجبل الوعر إشارة إلى سوء خلقه وأنه يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها، فيجمع البخل وسوء الخلق.
(قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره)"لا أبث خبره" بالباء والثاء أي لا أنشر خبره ولا أشيعه وفي رواية "لا أنث خبره" بالنون بدل الباء أي لا أذيع شره وفي رواية "لا أنم خبره" من النميمة "إني أخاف أن لا أذره" قال النووي: فيه تأويلان: أحدهما لابن السكيت وغيره، أن الهاء عائدة على "خبره" أي إني أخاف - إن شرعت في تفصيل خبره - أن لا أقدر على إتمامه لطوله وكثرته، ثانيهما أن الهاء عائدة على الزوج وتكون "لا" زائدة كما في قوله تعالى {ما منعك ألا تسجد}[الأعراف: ١٢] اهـ. ومعناه: إني أخاف أن يطلقني، فأذره كأنها خشيت - إذا ذكرت ما فيه - أن يبلغه فيفارقها وهي لا تقدر على تركه لعلاقتها به وبأولادها منه، فاكتفت بالإشارة إلى أن له معايب، وفاء لما التزمته من الصدق وسكتت عن تفسيرها للعذر الذي ذكرته "والعجر" بضم العين وفتح الجيم جمع عجرة وهي تعقد العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة وقال ابن الأعرابي: هي نفخة في الظهر وقال بعضهم: العجر العقد التي تكون في البطن واللسان وقيل: في الجنب والبطن أما "البجر" فبضم الباء وفتح الجيم وجمع بجرة بضم الباء وسكون الجيم وهي النفخة في السرة أو في البطن ثم استعملا في الهموم والأحزان وفيما يكتمه المرء ويخفيه عن غيره وقال الخطابي: أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة قال: ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن وقال بعضهم: عنت أن زوجها كثير المعايب متعقد النفس عن المكارم.