الشراح شرحوه على المدح فقال بعضهم وصفته بكثرة الجماع لها إذا دخل فهي محبوبة لديه بحيث لا يصبر عنها إذا رآها وإذا خرج كان في الإقدام مثل الأسد وبأنه شديد الكرم وكثير التغاضي لا يتفقد ما ذهب من ماله وإذا جاء بشيء لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك أو لا يلتفت إلى ما يرى في البيت من المعايب بل يسامح ويغضي.
وقال بعضهم: شبهته بالفهد في دخوله بالرزق الوفير لأنهم قالوا في المثل: أكسب من فهد وأصله أن الفهود الهرمة تجتمع على فهد منها فتي فيتصيد عليها كل يوم حتى يشبعها فكأنها قالت: إذا دخل المنزل دخل بالكسب لأهله كما يجيء الفهد لمن يلوذ به من الفهود الهرمة ثم رفعت ما قد يحتمل الذم من جهة كثرة النوم بوصفها له بالأسد فأفصحت أن الأول سجية كرم ونزاهة شمائل ومسامحة في العشرة لا سجية جبن وخور في الطبع.
وزاد في رواية الزبير بن بكار "ولا يرفع اليوم لغد" يعني لا يدخر - لكرمه - ما حصل عنده اليوم من أجل غد فكنت بذلك عن غاية جوده، أو المراد وصفه بالحزم في جميع أموره فلا يؤخر ما يجب عليه اليوم إلى الغد.
وبعض الشراح شرحوه على الذم فقال بعضهم: شبهته بالفهد من جهة أنه غليظ الطبع ليست عنده مداعبة ولا ملاعبة قبل المواقعة بل يثب وثوبا كالوحش أو من جهة سوء الخلق، وأنه يبطش بها ويضربها وإذا خرج على الناس كان أمره في العنف أشد قسوة ولا يسأل عن أحوالها إذا دخل بعد غيبة حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة لا يسأل عن شيء من ذلك ولا يتفقد حال أهله ولا بيته.
قال عياض: وقد قلب الوصف بعض الرواة فقال "إذا دخل أسد وإذا خرج فهد" قال: فإن كان محفوظا فمعناه أنه إذا خرج إلى مجلسه كان على غاية من الرزانة والوقار وحسن السمت أو كان على غاية من تحصيل الكسب وإذا دخل كان متفضلا مواسيا لأن الأسد يوصف بأنه إذا افترس أكل من فريسته بعضا وترك الباقي لمن حوله من الوحوش ولم يهاوشهم عليها اهـ.
وفي الكلام مطابقة أو مقابلة لفظية بين "دخل" و"خرج" ومقابلة معنوية بين "فهد" و"أسد".
(قالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث) قال النووي: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه، مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء والاشتفاف في الشرب أن يستوعب جميع ما في الإناء مأخوذ من الشفافة بضم الشين وهي ما بقي في الإناء من الشراب فإذا شربها قيل اشتفها وتشافها وقولها "ولا يولج الكف ليعلم البث" قال أبو عبيد: أحسبه كان بجسدها عيب أو داء كنت به لأن البث الحزن فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك لئلا يشق عليها فوصفته بالمروءة وكرم الخلق وقد رد ابن قتيبة على أبي عبيد تفسيره وقال: كيف تمدحه بهذا وقد ذمته في صدر الكلام؟ ورد ابن الأنباري على ابن قتيبة بأن النسوة تعاقدن أن لا يكتمن شيئا من أخبار أزواجهن فمنهن من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة فوصفتها ومنهن من كانت أوصاف زوجها قبيحة فذكرتها ومنهن من كانت أوصافه فيها حسن وقبيح فذكرتهما.