راضية" أي مرضية وفي رواية الطبراني "من كل سائمة" والسائمة الراعية والرائحة الآتية وقت الرواح وهو آخر النهار وقد أرادت بذلك كثرة ما أعطاها.
(وقال: كلي أم زرع وميري أهلك) "أم زرع" منادى بحذف حرف النداء و"ميري أهلك" بكسر الميم من الميرة أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة وهي الطعام.
والحاصل أنها وصفته بالسؤدد في ذاته "رجلا سريا" والشجاعة في فعاله "ركب شريا وأخذ خطيا وأراح على نعما ثريا" وبالتفضل عليها وإكرامها و"أعطاني من كل رائحة زوجا" وزاد في إكرامها فأباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله وتهدي منه ما شاءت لأهلها.
(فلو جمعت كل شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع) في رواية البخاري "أعطانيه" وفي رواية "ما ملأ إناء من آنية أبي زرع" وعند الطبراني "فلو جمعت كل شيء أصبته منه فجعلته في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملأه" وهذا الأسلوب كناية عن استصغار ما أصابته من زوجها الثاني بالنسبة لما أصابته من أبي زرع لأنه كان أول أزواجها فسكنت محبته في قلبها.
(كنت لك كأبي زرع لأم زرع) قال النووي: قال العلماء: هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها ومعناه: أنا لك كأبي زرع و"كان" زائدة أو للدوام كقوله تعالى {وكان الله غفورا رحيما} أي كان فيما مضى وهو باق كذلك. اهـ. فأصل الفعل الماضي يدل على حصول حدث في زمن مضى قبل التكلم ومقتضاه أنه لا يدل على استمرار الحدث في الحال ولا في الاستقبال ومقصود الحديث كنت لك في الماضي وأنا لك في الحال، وسأظل لك في المستقبل كأبي زرع لأم زرع ووجه الشبه في هذه القضية الألفة والوفاء لأن المشبه به له صفات لا يليق التشبه بها ولذلك زاد في رواية الهيثم ابن عدي "في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء" وزاد الزبير في آخره "إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك" زاد النسائي والطبراني في رواية له "قالت عائشة: يا رسول الله. بل أنت خير من أبي زرع" وفي رواية "قالت: بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع" قال النووي: وكأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك تطيبا لها وطمأنينة لقلبها ودفعا لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء به سوى طلاقه أم زرع وأجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها.
-[فقه الحديث]-
هذا الحديث مسوق على أنه منقبة وفضيلة لعائشة رضي الله عنها.
ويؤخذ منه
١ - فضيلة حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع.
٢ - وفيه المزاح أحيانا وبسط النفس به.
٣ - ومداعبة الرجل أهله وإعلامه بمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة تترتب على ذلك من تجنيها عليه وإعراضها عنه.