للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من الرجلين على الآخر، ثم يتحاكمان إلى رجل، ليحكم أيهما خير، وكانت هذه المفاخرة بالشعر، وكان أنيس شاعرا، كما صرح بذلك في الرواية، فغلب الآخر والمعنى فراهن أنيس رجلا، أيهما خير شعرا وكان الرهن صرمة ذا، وصرمة ذاك، فأيهما كان أفضل أخذ الصرمتين، فتحاكما إلى كاهن، فحكم بأن أنيسا أفضل، وخير أنيسا أي جعله الخيار والأفضل، فرجع أنيس من رحلته ومن مرعاه بصرمتهم وبمثلها، وفي الملحق الثاني للرواية الأولى "فتنافرا إلى رجل من الكهان، فلم يزل أخي أنيس يمدحه حتى غلبه" أي يمدح الكاهن بالشعر حتى غلب الآخر قال أبو ذر "فأخذنا صرمته، فضممناها إلى صرمتنا".

(قال: وقد صليت يابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين) قلت: لمن؟ "أي لمن كنت تصلي؟ " قال: "لله. قلت: فأين توجه؟ " أي فإلى أي جهة تتوجه في صلاتك قال: "أتوجه حيث يوجهني ربي" أي كيفما تيسر، وفي ملحق الرواية "صليت سنتين" فيحتمل أن المدة سنتان وأشهر فجبر الكسر تارة، وألغى الكسر تارة أخرى.

وهذه المقاولة كانت بين أبي ذر وبين عبد الله بن الصامت، راوي الحديث عن أبي ذر، وليس ابن أخيه على الحقيقة، فقوله "يابن أخي" جرى على عادة العرب في التراحم.

(أصلي عشاء، حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء، حتى تعلوني الشمس) الخفاء - بكسر الخاء - الكساء، وجمعه أخفية ككساء وأكسية قال القاضي: ورواه بعضهم "جفاء" بجيم مضمومة، وهو غثاء السيل، قال: والصواب المعروف الأول، والمعنى أنه كان يصلي من أول الليل حتى يقرب آخره، فينام من السهر والإعياء كثوب لا حراك به ولا إحساس، حتى ترتفع الشمس، أما كيف كان يصلي؟ فالظاهر أنها كانت مطلق عبادة ودعاء وثناء على الله.

(فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني) أي إن لي رغبة في النزول إلى البلدة، فقم مقامي في رعاية الشئون وفي ملحق الرواية "فاكفني حتى أذهب فأنظر" أي فأنظر أمر هذا الرجل الذي تكلمنا عنه، ففي الرواية الثانية "فلما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي - أي وادي مكة، أي دورها - فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله، ثم ائتني" وفي ملحق الرواية الأولى "وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا" "شنفوا" بفتح الشين وكسر النون أي أبغضوه والتجهم المقابلة بغلظة وكراهية.

(فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث علي ثم جاء) أي أبطأ علي ثم جاء في الرواية الثانية "فانطلق الآخر حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر" قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ وفي بعضها "الأخ" بدل "الآخر" وهو هو، فكلاهما صحيح.

(قال: لقيت رجلا بمكة على دينك) أي على شبه عقيدتك وعبادتك.

(يزعم أن الله أرسله) الظاهر أن أنيس لقيه، وسمع منه ففي الرواية الثانية "رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر" و"كلاما" منصوب بفعل محذوف أي ويقول كلاما كقولهم: علفتها تبنا وماء باردا، والتقدير وسقيتها ماء باردا.

(لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم) أي فما يشبه قوله قولهم فليس بكاهن.

(ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر) "أقراء الشعر" بسكون القاف، طرقه وأنواعه وقوافيه وبحوره، جمع قرء بضم القاف وسكون الراء، فهو مشترك لفظي بين الحيض والطهر والقافية. والمعنى: لقد قلبت قوله على أصناف الشعر، فما هو بنوع منه، ولا يقبل على لساني ولا على لسان غيري أنه شعر.

(قلت: فاكفني، حتى أذهب فأنظر) أي فقم هنا بالشئون، حتى أذهب إلى مكة وأقابله وأنظر أمره وأتدبره، وفي الرواية الثانية "رأيته يأمر

<<  <  ج: ص:  >  >>