إلى زيادة استمساكه بالذي أوحي إليه إنه على صراط مستقيم، وليطمئن إلى نصرة ربه لدينه، وإلى أن الله بالغ أمره، وإلى أنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له: كن ... فيكون.
جاءت الدعوة من الرب إلى العبد، على لسان أمين الوحي جبريل وأخيه ميكائيل، جاءا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو نائم في المسجد الحرام بين حمزة وجعفر رضي الله عنهما، فقال جبريل لرفيقه: إنه أحد الثلاثة، إنه الذي بين الرجلين، فأيقظاه، ثم شقا عن صدره، فغسلاه بماء زمزم، ثم جاءا بطست من الذهب مملوء حكمة وإيمانا، فأفرغاه في صدره ثم أطبقاه.
بعد هذا الإعداد وذلك التطهير جيء له بالبراق، تلك الدابة العجيبة الشأن، التي تشبه المألوف في الشكل، وتخالفه في الصفات والفعل، إنها شبيهة بالحمار الكبير أو البغل الصغير، لكنها تضع حافرها عند منتهى بصرها، وإذا صعدت جبلا طالت رجلاها، وإذا هبطت واديا طالت يداها، فيظل ظهرها مستويا في الحالتين زيادة في راحة راكبها، لقد نقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صحبته جبريل- عليه السلام- من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالشام في لحظات، وهناك كانت وفود الأنبياء- عليهم السلام- في استقباله، وأذن للصلاة، فقاموا صفوفا ينتظرون من يؤمهم، فأخذ جبريل بيد محمد صلى الله عليه وسلم فأمهم، ثم نصب له المعراج، نصب له سلم رباني نوراني يرقى عليه ومعه جبريل حتى وصلا إلى السماء الدنيا، فطلب جبريل من حارسها أن يفتح. قال الحارس: من؟ قال: جبريل. قال: ومن معك؟ قال محمد. قال: وقد أرسل إليه ليعرج؟ قال: نعم. ففتح. فرأى صلى الله عليه وسلم رجلا، عن يمينه أشباح، وعن يساره أشباح، فإذا نظر إلى من هم عن يمينه ضحك، وإذا نظر إلى من هم عن شماله بكى، قال: من هذا يا جبريل؟ قال: أبوك آدم، وهذه الأسودة أرواح بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، وأهل الشمال أهل النار، ثم قال له: سلم عليه. فسلم، فرد عليه السلام، وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، نعم المجيء جئت يا بني.
ثم عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل، ففتح لهما بالتكريم والترحيب، فإذا عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا، فسلم عليهما فردا السلام، وقالا: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، نعم المجيء جئت. ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف عليه السلام، فرحب ودعا بخير. ثم عرج به إلى السماء الرابعة فإذا فيها إدريس عليه السلام فرحب ودعا بخير. ثم عرج به إلى السماء الخامسة فإذا فيها هارون عليه السلام فرحب ودعا بخير. ثم عرج به إلى السماء السادسة فإذا هو بالكليم موسى عليه السلام فرحب بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا له بخير. فلما جاوزه بكى موسى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كنت أتمنى أن أعطى مثله، جاء بعدي، ويدخل من أمته الجنة أكثر ممن يدخلها من أمتي.
ثم عرج به إلى السماء السابعة فإذا فيها أبوه إبراهيم عليه السلام. فرحب بالابن الصالح والنبي الصالح ودعا له بخير. ثم ذهب به إلى سدرة المنتهى، وهي شجرة تشبه شجر السدر من جهة وتخالفه من جهات، ليس ورقها رقيقا كورقه، ولكنه كآذان الفيلة، وليس نبقها صغيرا كنبقه، ولكنه كقلال هجر، يغشاها خلق من خلق الله، ملائكة الله وجنده، وكأنهم الطير أو الفراش، في صفاء الذهب