(وما وجدت على كبدي سخفة جوع) بفتح السين وضمها مع إسكان الخاء رقة الجوع وضعفه وهزاله. يقال: سخف الشيء بضم الخاء، يسخف، سخفا بضم السين وسكون الخاء وسخفة وسخافة رق وضعف وسخف العقل ضعف ورأي سخيف أي ضعيف والمعنى ثلاثون يوما لا آكل فيها ولا أشرب إلا ماء زمزم لم أحس فيها بضعف ولا بجوع.
(قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أسمختهم فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتان منهم تدعوان إسافا ونائلة) الليلة القمراء التي ينيرها القمر، "والإضحيان" بكسر الهمزة والحاء وسكون الضاد هي المضيئة يقال: ليلة إضحيان وإضحيانة وضحياء ويوم ضحيان والإضحيان من الأيام الصحو الذي ليس فيه غيم، و"الأسمخة" جمع سماخ وهو الخرق الذي في الأذن المفضي إلى الرأس ويقال له: صماخ بالصاد، وهو الأفصح والأشهر، والضرب على الآذان كناية عن النوم، قال تعالى {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا}[الكهف: ١١] والمعنى: في ليلة مقمرة من الليالي الثلاثين نام أهل مكة، فلم يطف بالبيت منهم أحد، ولكن كان من أهل مكة امرأتان تدعوان الصنمين المسميين إسافا ونائلة، وتتضرعان إليهما، وكانا صنمين لقريش، إساف على هيئة رجل، ونائلة على هيئة امرأة وضعهما عمرو بن لحي على الصفا والمروة، قال النووي:"وامرأتين" هكذا هو في معظم النسخ بالياء وفي بعضها "وامرأتان" بالألف والأول منصوب بفعل محذوف أي ورأيت امرأتين.
(قال فأتتا علي في طوافهما) كان بجوار الكعبة فجاءتا من دعائهما إسافا ونائلة لتطوفا.
(فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى) أي قلت لهما، استهزاء وسخرية بالصنمين، وبدعائهما لهما: زوجا إسافا لنائلة، أو ركبا إسافا على نائلة، يجامعها.
(قال: فما تناهتا عن قولهما، فأتتا علي) أي ما انتهتا عن عملهما وعقيدتهما، ولم تكترثا بقولي، وأتتا بجواري، مستخفتين بقولي.
(فقلت: هن مثل الخشبة- غير أني لا أكنى) الهن والهنة بتخفيف نونهما كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر، و"أكنى" أي لم أتكلم بلفظ الكناية ولفظ الهن، بل صرحت لهما باللفظ المستقبح، فقال مثلا: ذكر مثل الخشبة، وكان لإساف الصنم ذكر ظاهر بارز، وأراد بذلك سب إساف ونائلة والسخرية منهما، وإغاظة المرأتين.
(فانطلقتا تولولان) الولولة الدعاء بالويل.
(وتقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا) الأنفار جمع نفر أو نفير، وهو الذي ينفر عند الاستغاثة قال النووي: ورواه بعضهم "أنصارنا" وهو بمعناه، و"لو" شرطية جوابها محذوف أي لانتصر لنا.