(فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان) الحرم في المنخفض، والمباني على سفح الجبل المحيط بالحرم، فالذاهب إلى الحرم هابط، أي وأبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلان الحرم، والمرأتان خارجتان صاعدتان منه.
(قال: مالكما) تولولان؟ وتقولان: لو كان معنا رجل لانتصرنا؟
(قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها) أي الذي بدل دينه وسفه آلهتنا واقف بين الكعبة وأستارها وهو الذي آذانا.
(قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم) أي كلمة عظيمة لا شيء أقبح منها، كالشيء الذي يملأ الشيء، ولا يسع غيره، كما نقول: تملأ سمع الدنيا، فالكلام كناية عن عظمها وفظاعتها، وقيل: معناه كلمة لا يمكن ذكرها وحكايتها كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها أي كلمة تجعل الفم مملوءا بغيرها لا يستطيع ذكرها.
(وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى) وفي ملحق الرواية "فطاف بالبيت، وصلى ركعتين خلف المقام".
(قال أبو ذر: فكنت أول من حياه تحية الإسلام. فقلت: السلام عليك يا رسول الله) إذ كان أبو ذر خامس أربعة آمنوا.
(قال: وعليك ورحمة الله) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ "وعليك" من غير ذكر "السلام" وفيه دلالة لأحد الوجهين لأصحابنا أنه إذا قال في رد السلام: وعليك يجزئه لأن العطف يقتضي كونه جوابا والمشهور من أحواله صلى الله عليه وسلم وأحوال السلف رد السلام بكماله فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله. اهـ. والحق أن الحديث لا يصلح دليلا فقد كان هذا أول الإسلام والعبرة بما كان من تشريع في أخريات الرسالة، على أن لفظ الحديث في ملحق الرواية "قال: وعليك السلام".
(ثم قال: من أنت؟ قال: قلت: من غفار. قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته) أي كالمتعجب أو كالمندهش أو كالمفكر كيف لهذا الرجل بتحية الإسلام؟ وكيف ومتى أسلم؟ وهو من غفار بينما أهله في مكة لم يسلموا؟ وكيف وصل إليه وحصار المشركين له شديد؟
(فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقدعني صاحبه وكان أعلم به مني) وإنما ظن أنه كره انتماءه إلى غفار، لأنهم قد اشتهر عنهم أنهم يسرقون الحاج، و"قدعني صاحبه" أي كفني ومنعني أن آخذ بيده، يقال: قدعه وأقدعه إذا كفه ومنعه وقوله "وكان أعلم به مني" إشارة إلى أنه استجاب للمنع.