(وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاري وكان سيدهم) "إيماء" بكسر الهمزة في أوله على المشهور وحكى القاضي فتحها أيضا، وأشار إلى ترجيحه، قال النووي: ذكر الزبير بن بكار أن إيماء بن رحضة حضر بدرا مع المشركين، فيكون إسلامه بعد ذلك، وذكر ابن سعد أنه أسلم قريبا من الحديبية، وهذا يعارض رواية مسلم وفي رواية "خفاف بن إيماء أو أبوه إيماء بن رحضة" فيمكن أن يكون إسلام خفاف تقدم على إسلام أبيه.
(وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلمنا) فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم نصفهم الباقي وجاءت أسلم - قبيلة قريبة من قبيلة غفار - فقالوا: يا رسول الله إخوتنا - الغفاريون - أسلموا نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا فكان إسلام أبي ذر سببا في إسلام قومه جميعا، وسببا في إسلام قبيلة أخرى.
(غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله) سيأتي الكلام عن ذلك في باب فضائل غفار وأسلم.
(فتزود وحمل شنة له، فيها ماء) الشنة بفتح الشين القربة البالية ومعنى "تزود" حمل زادا.
(فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه) أي أراد مقابلته لكنه لا يعرفه إن قابله.
(وكره أن يسأل عنه) الناس مخافة أن يؤذوه إن كان المسئول من محاربي محمد صلى الله عليه وسلم.
(حتى أدركه) "يعني الليل" يقصد أن الضمير يعود على غير مذكور معلوم من المقام كقوله تعالى {حتى توارت بالحجاب} [ص: ٣٢] وفي رواية للبخاري "حتى أدركه بعض الليل".
(فاضطجع) في المسجد الحرام.
(فرآه علي، فعرف أنه غريب) عرف ذلك من هيئته ولباسه، ومعرفة علي بأهل المنطقة.
وفي رواية قال: "كأن الرجل غريب، قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل" أي فانطلق معي إلى منزلي، قال الحافظ ابن حجر: هذا يدل على أن قصة أبي ذر وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين، بحيث يتهيأ لعلي أن يستقل بمخاطبة الغريب، ويضيفه، فإن الأصح في سن علي حين المبعث كان عشر سنين، وقيل: أقل من ذلك، وهذا الخبر يقوي القول الصحيح في سنه. اهـ.
قلت: لا دلالة فيه على ما استدل به فيمكن للصبي المميز أن يصحب ضيفا وربما كان أبوه أبو طالب في سفر.
(فلما رآه تبعه) أي فلما رأى أبو ذر عليا على هذه الحالة من الاستئلاف والرفق ودعوته إلى منزله سار وراءه، حتى وصل إلى منزله، فاستضافه، وأكرمه، وأعد له مبيتا، فنام.