(فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح) أي عن شيء مما يعنيه السؤال عنه.
(ثم احتمل قربته، وزاده إلى المسجد الحرام) يأكل من زاده ويشرب من قربته، وفي بعض النسخ "قريبته" بالتصغير وهي الشنة المذكورة من قبل.
(فظل ذلك اليوم، ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم) أي ظل ذلك اليوم يرقب مجيء النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجيء.
(حتى أمسى فعاد إلى مضجعه) أي إلى المكان الذي اضطجع فيه بالأمس فاضطجع.
(فمر به علي فقال: ما آن للرجل أن يعلم منزله؟ ) الكلام على الاستفهام الإنكاري، بمعنى النفي، دخل على نفي فصار إثباتا والمعنى آن للرجل أن يعلم منزله الذي نزله بالأمس، وأن يأتي إليه بدون دعوة فإضافة المنزل إليه مجازية، ويكون ذلك من علي رضي الله عنه دعوة مهذبة إلى بيته ثانيا. وقيل: المعنى أما آن للرجل أن يصرح بمقصده؟ ويؤيده ما جاء في بعض الروايات "قلت: لا" وفي رواية البخاري "أما نال للرجل أن يعلم منزله"؟ أي أما حان يقال: نال له، بمعنى آن له، ويروى "أما أنى" بالقصر وهي بنفس المعنى.
(فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء) أي حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد.
(فلما كان يوم الثالث) من إضافة الموصوف إلى صفته، كقولهم: مسجد الحرام، ومسجد الجامع، والأصل اليوم الثالث، و"كان" تامة، و"يوم" فاعل.
(فعل مثل ذلك) أي مثل ما فعل في اليوم الثاني، ظل لا يرى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه في المسجد، فاضطجع.
(فأقامه علي معه) في رواية البخاري "حتى إذا كان يوم الثالث فعاد علي على مثل ذلك فأقام معه".
(ثم قال له: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ ) أسلوب عرض وطلب برفق أي حدثني، وهكذا يستبين علي ويسأل ضيفه بعد ثلاث كما هي عادة العرب.
(قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت) العهد الوعد، والميثاق اليمين، أي إن وعدتني وعدا مؤكدا باليمين أن تخبرني عما أريد حدثتك بما في نفسي.
(فأخبره فقال: فإنه حق، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فأخبر أبو ذر عليا بمقصده، فقال علي: فإن ما سمعت عنه حق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية البخاري "فأخبره قال: فإنه حق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيحتمل أن المعنى: فأعطاه على العهد والميثاق، فحكى أبو ذر ما في نفسه، فأخبر علي أبا ذر بالحقيقة قال: كذا وكذا ويؤيد الأول قول أبي ذر، في رواية "فأخبرته".