(حتى أتيت بيت المقدس) قال النووي: بيت المقدس فيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة، إحداهما بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة، والثانية بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة. قال الواحدي: أما من شدده فمعناه المطهر، وأما من خففه فمعناه بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة، وتطهيره إخلاؤه من الأصنام، وإبعاده منها، قال الزجاج: أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب، ويقال له أيضا إيلياء.
(قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء) الحلقة بإسكان اللام على اللغة الفصيحة المشهورة، وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا، وقوله "التي يربط به" كذا هو في الأصول "به" بضمير المذكر، وكان الظاهر أن يقول "بها" لكنه أعاده على معنى الحلقة، وهو الشيء. قال صاحب التحرير: المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس.
(اخترت الفطرة) فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة، قال النووي: ومعناه- والله أعلم- اخترت علامة الإسلام والاستقامة، وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا، طاهرا سائغا للشاربين، سليم العاقبة، وأما الخمر فإنها أم الخبائث، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل.
(ثم عرج بنا) بفتح العين والراء، أي صعد جبريل بي وبنفسه.
(فاستفتح جبريل) أي طلب الفتح.
(وقد بعث إليه؟ ) مراد بواب السماء، وقد بعث إليه للإسراء وصعود السموات؟ وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة، فإن ذلك لا يخفى عليه، هذا هو الصحيح.
(فإذا أنا بابني الخالة) قال الزهري: قال ابن السكيت: يقال: هما ابنا عم، ولا يقال: هما ابنا خال، ويقال: هما ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة.
(إلى السدرة المنتهى) هكذا وقع في الأصول "السدرة" بالألف واللام، وفي الروايات بعد هذا "سدرة المنتهى" والسدرة شجرة النبق، وسميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي عندها، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس والمفسرون، وقيل: لكونها ينتهي عندها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى، وقيل: إليها منتهى أرواح الشهداء.
(وإذا ثمرها كالقلال) بكسر القاف، وجمع قلة بضمها، والقلة جرة عظيمة تسع قربتين أو أكثر، يريد أن ثمرها في الكبر مثل القلال وكانت معروفة عند المخاطبين، فلذلك وقع التمثيل بها، قال الخطابي: وهي التي وقع تحديد الماء الكثير بها في قوله: "إذا بلغ الماء قلتين".
(فلما غشيها من أمر الله ما غشى) أي فلما أتاها وغطاها ما غطى و"ما" موصول، فاعل "غشيها" والموصول من صيغ العموم، فيفيد التعميم والتهويل، أي فلما غشيها من أمر الله الشيء الكثير الهائل الذي غشى، قال الألوسي: وفي إبهام ما يغشى من التفخيم ما لا يخفى، فكأن الغاشي أمر لا يحيط به نطاق البيان.