للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسيأتي تفصيل لذلك في فقه الحديث، وفي رواية للبخاري "اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة".

والروايات في أكثر النسخ بصيغة الترجي "لعل" والترجي من الله واقع.

وإنما قال عمر ذلك، مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به، لما كان عند عمر من القوة في الدين، وبغض من ينسب إلى النفاق، وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل، لكنه لم يجزم بذلك، فلذلك استأذن في قتله، وأطلق عليه منافقا، لكونه أبطن خلاف ما أظهر، وعذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه، وعند الطبري "فقال: أليس قد شهد بدرا؟ قال: بلى، ولكنه نكث، وظاهر أعداءك عليك" وفي رواية للبخاري "فقال عمر: إنه قد خان الله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه، فقال: أليس من أهل بدر؟ لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة، فدمعت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم".

(فأنزل الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل}) [الممتحنة: ١].

(أن عبدا لحاطب، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشكو حاطبا) كان حاطب رضي الله عنه شديدا على الرقيق، وفي الموطأ أن عمر رضي الله عنه قال لحاطب - حين نحر رقيقه ناقة لرجل من مزينة - أراك تجيعهم، وأضعف عليه القيمة، على جهة الأدب والردع له.

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من الحديث]-

١ - فضيلة عظيمة لأهل بدر، من قوله: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وقد اتفق العلماء على أن هذا الوعد الكريم يشمل كل ما سبق لهم من ذنوب قبل يوم بدر، والخلاف فيما يحصل منهم من ذنوب بعد بدر، هل تدخل في هذا الوعد؟ فتقع منهم مغفورة؟ أو يلهمون بعدها التوبة فتغفر؟ أو لا تدخل؟ وشأنهم في ذنوبهم اللاحقة لبدر شأن غيرهم؟ قولان:

الأول قال ابن الجوزي: ليس هذا على الاستقبال، وإنما هو على الماضي، لأنه لو كان للمستقبل كان جوابه: فسأغفر لكم، ولو كان كذلك لكان إطلاقا في الذنوب - أي إذنا ودعوة للذنوب - ولا يصح. اهـ ويؤيده اتفاق العلماء على أنهم لا يعفون من الحد، إذا وقع من أحدهم ما يوجب الحد، فلو كانت ذنوبهم مغفورة ما حدوا، فإقامة الحد دليل قيام الذنب، وعدم مغفرته.

الثاني: قول الجمهور، يقول القرطبي: "اعملوا" صيغة أمر، وهي موضوعة للاستقبال، ولم تضعها

<<  <  ج: ص:  >  >>