أي تقبلا البشارة ووعد الخير، وقوله - كهيئة الغضبان - لما رأوا على وجهه صلى الله عليه وسلم من أعراض انفعال الغضب، وعبر بالكاف لأن الغضب انفعال داخلي لا يجزم به لمجرد أعراضه.
(ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء، فغسل يده ووجهه فيه، ومجه فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما، وأبشرا، فأخذا القدح، ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادتهما أم سلمة، من وراء الستر: أفضلا لأمكما مما في إنائكما، فأفضلا لها منه طائفة)"أم سلمة" زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أم المؤمنين، ولهذا قالت "لأمكما" وفضلة النبي صلى الله عليه وسلم مقصود بها هنا البركة والتبرك، وكأنها عوض عن البشرى بالأمور الدنيوية، أو مضافة إليها.
(لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس) أي لما فرغ من حنين أمر بالغنائم تجمع في الجعرانة، وكانت هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى بجيلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا إلى من مضى إلى أوطاس، على رأسهم أبو عامر الأشعري، ثم توجه هو وعساكره إلى الطائف، و"أوطاس" واد قريب من وادي حنين.
(فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه)"الصمة" بكسر الصاد وتشديد الميم، من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، فالصمة لقب لأبيه، واسمه الحارث. قال الحافظ ابن حجر: وقوله: "فقتل" رويناه على البناء للمجهول، واختلف في قاتله، فقيل: ابن الدغنة، وقيل: الزبير بن العوام، وكان ابن الصمة في ستمائة نفس على أكمة، وكان من الشعراء الفرسان المشهورين في الجاهلية. ويقال: إنه يوم قتل كان ابن عشرين ومائة.
(قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر) أي إلى من التجأ إلى أوطاس، وقيل: بعثه كمدد لأبي عامر والأول هو المعتمد، فعند الطبراني في الأوسط "لما هزم المشركين يوم حنين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه".
(فرمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهم، فأثبته في ركبته)"جشم" بضم الجيم وفتح الشين، واختلف في اسم هذا الجشمي، فقال ابن إسحاق: زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم، فأصاب ركبته، فقتله، وقال ابن هشام: إن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم، وهما أوفى والعلاء ابنا الحارث، فأصاب أحدهما ركبته، وقتلهما أبو موسى الأشعري، وذكر ابن إسحاق أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين، إخوة، فقتلهم واحدا واحدا، حتى كان العاشر فحمل عليه، وهو يدعوه إلى الإسلام وهو يقول: اللهم اشهد عليه فقال الرجل: اللهم لا تشهد علي، فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم، فقتله العاشر ثم أسلم بعد وحسن إسلامه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه: شهيد أبي عامر. وهذا يخالف ما في الصحيح من أن أبا موسى قتل قاتل أبي عامر.
(قال أبو موسى: فانتهيت إليه، فقلت: يا عم، من رماك؟ فأشار أبو عامر إلى أبي