جاء الإسلام ولبعض القبائل رفعة على بعض، بالمال تارة، وبالقوة البدنية أخرى، وبالقوة العقلية والسلوكية ثالثة، وبالأصل والأحساب رابعة، فحول كل هذه الموازين إلى ميزان الإسلام، وصار السبق إلى الإسلام، وبذل النفس والمال في سبيل إعلاء كلمة الله، والجهاد في سبيل الله، هو الميزان الحقيقي، الذي يفاضل به بين القبائل، فارتفعت بهذا الميزان قبائل كانت قبل الإسلام غير رفيعة، وهبطت بهذا الميزان قبائل كانت قبل الإسلام عالية مرموقة.
يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في نفوس أصحابه، ويقرره غاية التقرير، فيقول: غفار بسبق إسلامها غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، والأنصار ومزينة وجهينة وأشجع وبنو عبد الله هم أوليائي قبل الناس، وهم عند الله يوم القيامة خير من أسد وغطفان وهوازن وتميم.
ولا ينسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثني على أهل الفضل من القبائل ما لها من فضل، ولو كانت مفضولة بالنسبة لغيرها، فيذكر لتميم شدتها في الحروب، وأدائها للصدقات، وانتسابها لإسماعيل عليه السلام، ولا ينسى أن يلعن من القبائل من تستحق اللعن، فيلعن بني لحيان ورعلا وذكوان وعصية، لما فعلوه بالمسلمين من غدر وتنكيل وتقتيل. فصلى الله وسلم وبارك عليه، ورضي عن صحابته أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(غفار غفر الله لها) كذا في الرواية الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة، وزاد في الرواية الثالثة "أما إني لم أقلها، ولكن قالها الله عز وجل" كما ذكرت واحدة من قبائل مولاهم الله ورسوله في الرواية السادسة والسابعة، كما ذكرت في الرواية الثامنة والحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة واحدة من قبائل، هي خير من بني تميم وبني عامر والحليفتين أسد وغطفان، كما ذكرت في الرواية التاسعة واحدة من قبائل، هي خير عند الله يوم القيامة من أسد وطيئ وغطفان، كما ذكرت في الرواية العاشرة واحدة من قبائل هي خير عند الله يوم القيامة من أسد وغطفان، وهوازن وتميم.
ومن مجموع الروايات تكون غفار قد فضلت بأن الله غفر لها، وبأن مولاها الله ورسوله، وبأنها أفضل من بني تميم، وبني عامر وأسد وغطفان وطيئ وهوازن.
والمذكور مع غفار في الفضل الأنصار ومزينة وأشجع وجهينة وأسلم، وهذه القبائل التي فضلت كانت في الجاهلية في القوة والمكانة أقل من القبائل التي فضلت عليها، فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك، فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك.
واختصت غفار بقوله "غفر الله لها" لما اشتهروا به قبل إسلامهم من سرقة الحجيج الذين يمرون بديارهم، كما تشير إلى ذلك الرواية الحادية عشرة، حكى ابن التين أن بني غفار كانوا يسرقون الحاج في الجاهلية، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن أسلموا - ليمحو عنهم ذلك العار، وهي جملة لفظها خبر، ويحتمل أن يكون معناها خبرا أيضا، إشعارا بأن ذنبها السابق قد غفر، لأن الإسلام يجب ما قبله،