للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذهب قليل من العلماء إلى أن الإسراء والمعراج كانا مناما، تشبثا، بقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: ٦٠] على أن المراد بها ما رأى ليلة الإسراء، والرؤيا بالقصر ما يرى في المنام، وتشبثا ببعض الروايات التي يدل ظاهرها على أنه كان في المنام، وهذا القول مردود من وجوه.

الأول: أنه ثبت أن قريشا كذبوه في الإسراء، واستبعدوا وقوعه، ولو كان مناما لما كذبوه، ولا استنكروه، لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس.

الثاني: أن الله تعالى ذكر الإسراء في كتابه بصيغة التنزيه له والتعجيب للحادث، والتشريف لنبيه فقال: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} [الإسراء: ١] ولو كان مناما لم يستحق ذلك.

الثالث: أن الله تعالى أثبت رؤيا القلب بقوله: {ما كذب الفؤاد ما رأى} [النجم: ١١] ورؤيا العين بقوله: {ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: ١٧ - ١٨] وأما قولهم: إن الرؤيا بالقصر مختص برؤيا المنام، فيمكن رد هذا الاستدلال عليهم بأن هذا الاستعمال هنا في رؤيا العين دليل على أن هذا اللفظ ليس خاصا بالمنام.

وأما الروايات التي استندوا إلى ظاهرها، كرواية البخاري: "بينا أنا عند البيت مضطجعا بين النائم واليقظان إذ أتاني ... إلخ" ورواية "بينا أنا نائم" فإنها محمولة على ابتداء الحال، ثم صار إلى اليقظة الكاملة صلى الله عليه وسلم.

وذهب بعضهم إلى أن الإسراء والمعراج كانا بالروح لا بالجسد، وقالوا: ينبغي أن يعلم الفرق بين قولهم: كان الإسراء مناما وبين قولهم: بروحه دون جسده، فإن بينهما فرقا، فإن الذي يراه النائم قد يكون حقيقة بأن تصعد الروح مثلا إلى السماء، وقد يكون من ضرب المثل بأن يرى النائم ذلك وروحه لم تصعد أصلا، فمعنى أسري بروحه ولم يصعد جسده أن روحه عرج بها حقيقة، فصعدت، ثم رجعت، وجسده باق في مكانه خرقا للعادة. اهـ قال الحافظ ابن حجر: وظاهر الأخبار الواردة في الإسراء تأبى الحمل على ذلك.

وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ذلك كله وقع مرتين، مرة في المنام توطئة وتمهيدا، ومرة ثانية في اليقظة، جمعا بين ظواهر ما ورد، وجوز بعض قائلي ذلك أن تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث، لما جاء في بعض الروايات من قول الراوي "وذلك قبل أن يوحى إليه".

وذهب جماعة إلى أن الإسراء كان في اليقظة، والمعراج كان في المنام أو أن الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا بالإسراء، واستدلوا على ذلك بدليلين:

الأول: أن قريشا كذبوه في الإسراء واستبعدوا وقوعه، ولم يتعرضوا للمعراج، ولو أنه أخبرهم بالمعراج يقظة لكان أولى بالتكذيب.

الثاني: أن الله تعالى ذكر الإسراء على وجه التنزيه والتعجيب والتشريف، ولو أن المعراج وقع في

<<  <  ج: ص:  >  >>