للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويمكن أن يكون جميع ما ذكر بعض الحكمة، وكلها -كما ذكرت- تلمس كالورد يشم ولا يدعك. والله أعلم.

وفي وصف البراق بأنه فوق الحمار ودون البغل وبأنه أبيض إشارة إلى أن الركوب كان في سلم وأمن، لا في حرب وخوف، أو لإظهار المعجزة بوقوع الإسراع الشديد بدابة لا توصف بذلك في العادة.

وفي حكمة الإسراء به صلى الله عليه وسلم راكبا مع القدرة على طي الأرض له، قيل إنه وقع كذلك تأنيسا له بالعادة، في مقام خرق العادة لأن العادة جرت بأن الملك إذا استدعى من يحبه يبعث إليه بما يركبه.

وقال ابن أبي جمرة: خص البراق بذلك إشارة إلى الاختصاص به لأنه لم ينقل أن أحدا ملكه، بخلاف غير جنسه من الدواب. ثم قال: والقدرة كانت صالحة لأن يصل بنفسه من غير براق، لكن ركوب البراق كان زيادة في تشريفه، لأنه لو وصل بنفسه لكان في صورة ماش، والراكب أعز من الماشي.

وقد اختلف العلماء في اختصاصه صلى الله عليه وسلم بركوب البراق فذهب الجمهور إلى أنه مركب الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم مستأنسا برواية ابن إسحاق في ذكر الإسراء "فاستصعب البراق" وكانت الأنبياء تركبها قبله، وكانت بعيدة العهد بركوبهم. لم تكن ركبت في الفترة. وبما في مغازي ابن عائذ عن سعيد بن المسيب قال: البراق: "هي الدابة التي كان يزور إبراهيم عليها إسماعيل" وبما في كتاب مكة للفاكهي والأزرقي من أن إبراهيم كان يحج على البراق. وبما في كتاب الروض للسهيلي من أن إبراهيم حمل هاجر على البراق لما سار إلى مكة بها وبولدها. كما يستأنس الجمهور برواية للنسائي وابن مردويه عن أنس "وكانت تسخر للأنبياء قبله" وبرواية للترمذي "أتي بالبراق مسرجا ملجما، فاستصعب عليه، فقال جبريل: ما حملك على هذا؟ فوالله ما ركبك خلق قط أكرم على الله منه، قال الحافظ ابن حجر: فهذه آثار يشد بعضها بعضا. اهـ.

ونفى جماعة ذلك، وتمسكوا بالخصوصية، وردوا الآثار المذكورة وأولوا قول جبريل بأن معناه ما ركبك أحد قط، فكيف يركبك أكرم منه؟ .

وظاهر عبارة الإمام النووي التوقف، إذ قال: قال الزبيدي في مختصر العيني، وتبعه صاحب التحرير: كان الأنبياء يركبون البراق. ثم قال: وهذا يحتاج إلى نقل صحيح. اهـ ونحن إلى التوقف نميل، كما نميل إلى التوقف في ركوب جبريل البراق مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو في مصاحبته له ممسكا بالركاب لعدم ركوننا لما جاء في رواية لأبي سعيد في شرف المصطفى، وفيها "فكان الذي أمسك بركابه جبريل، وبزمام البراق ميكائيل".

ولا لما جاء في حديث ابن مسعود رفعه "أتيت بالبراق فركبت خلف جبريل" رواه أبو يعلى والحاكم. والله أعلم.

وأما قصة شق صدره صلى الله عليه وسلم فإن الرواية الثانية لم تبين متى كان، والرواية الثالثة

<<  <  ج: ص:  >  >>