صريحة وواضحة في أنه حصل وهو غلام صغير يلعب مع الغلمان في بني سعد، وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة، والرواية الخامسة تفيد أنه حصل ليلة المعراج، والرواية السابعة تفيد أنه حصل ليلة الإسراء، ولا منافاة بين الرواية الخامسة والسابعة، غاية الأمر أن في سياق الرواية الخامسة حذفا، وأصلها "فأفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أتيت بدابة أبيض ... حتى وصلنا إلى بيت المقدس ... ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء" إلخ، فالشق ليلة الإسراء هو الشق ليلة المعراج، بناء على أنهما كانا في ليلة واحدة.
وأما الجمع بين الروايات السابقة ففيه يقول الحافظ ابن حجر: وقع الشق ثلاث مرات، ولكل منها حكمة، فالأول وقع في زمن الطفولة فأخرج من الصدر علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك، فنشأ صلى الله عليه وسلم على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم وقع الشق عند البعث زيادة في إكرامه، ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي، في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة. ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل الأخير أن تقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: وجميع ما ورد من شق الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، ومما يجب التسليم به، دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك. ثم نقل عن القرطبي قوله في المفهم: لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء، لأن رواته ثقات مشاهير. اهـ. ويؤيد أن الشق على الحقيقة قول أنس في الرواية الثالثة "وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره" صلى الله عليه وسلم.
وأما ما رآه صلى الله عليه وسلم في إسرائه وفي معراجه من آيات ربه فقد وردت فيه أحاديث وآثار كثيرة، نذكر منها:
ما رواه الطبراني والبزار عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم "مر بقوم يزرعون ويحصدون، كلما حصدوا عاد كما كان، قال جبريل: هؤلاء المجاهدون، ومر بقوم ترضخ رءوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت. قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة، ومر بقوم على عوراتهم رقاع يسرحون كالأغنام. قال: هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة، ومر بقوم يأكلون لحما نيئا خبيثا، ويدعون لحما نضيجا طيبا قال: هؤلاء الزناة، ومر برجل جمع حزمة حطب لا يستطيع حملها، ثم هو يضم إليها غيرها، قال: هذا الذي عنده الأمانة لا يؤديها، وهو يطلب أخرى. ومر بقوم تقرض ألسنتهم وشفاههم، كلما قرضت عادت. قال: هؤلاء خطباء الفتنة، ومر بثور عظيم، يخرج من ثقب صغير، ثم يريد أن يرجع فلا يستطيع، قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم، فيريد أن يردها فلا يستطيع".
وعند البيهقي في الدلائل عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم مر بشيء يدعوه، متنحيا عن الطريق، فقال له جبريل: سر، وأنه مر على عجوز، فقال: ما هذه؟ . فقال: سر، وفي آخره "فقال: الذي دعاك إبليس، والعجوز الدنيا" وعند الطبراني في الأوسط، من حديث أبي أمامة "ثم مر بقوم بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خر، وأن جبريل قال له: هم آكلوا الربا، وأنه مر بقوم مشافرهم كالإبل،