وأراد أن ينزعه مني؟ فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي". فتوصلت لاختصاصها به، باختصاصه بها في الأمور الثلاثة، ويعلل الجمهور ذلك بما تتحمل من مشاق خاصة بها، لا يشاركها فيها الأب، ثم هي تشارك الأب في التربية، وتشير إلى ذلك الآية الكريمة {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}[الأحقاف: ١٥] فسوى بينهما في الوصاية، وخص الأم بالأمور الثلاثة.
وحجة غير الجمهور - وهم بعض الشافعية - أن الآيات تجمعهما - دون تفرقة - في طلب الإحسان إليهما {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا}{ووصينا الإنسان بوالديه حسنا}{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}[الإسراء: ٢٣، ٢٤]
ويقولون: إن ما تعانيه الأم من مشاق تقوم به اندفاعا من طبيعتها وخلقتها، فهو لإرضاء نفسها، وإشباع غريزتها، كمن يتعب في الأكل والشرب، لا يبغي بذلك أجرا، فلا يطلب من الابن مكافأتها على ما تمتعت هي به، تمتعا لا تقبل هي بحال أن تتخلى عنه.
أما الحديث فيكرر البر بها، والإحسان إليها، لأنها لضعفها غالبا تكون أحوج من الأب للعطف، والبر لا جزاء على ما قدمت، وهي وإن كانت مسئولة عن الابن فترة ما من الزمن، فالأب مسئول عنها وعن ابنها، وهو المتحمل شرعا لنفقتها ونفقة ابنها، وجميع التكاليف اليومية، مما يجعله - على الأقل - مساويا لها في حقوقه على أولاده.
وما نسب إلى الإمام مالك من أنه يقول: إنهما في البر سواء، أخذ مما روي أنه سأله رجل، قال: طلبني أبي فمنعتني أمي؟ قال مالك: أطع أباك، ولا تعص أمك. قال ابن بطال: هذا يدل على أنه يرى أن برهما سواء، إذ قال الليث - حين سئل عن هذه المسألة بعينها - قال: أطع أمك، فإن لها ثلثي البر. قال الحافظ ابن حجر: والصواب رأي الجمهور.
وأميل إلى التفرقة في البر، بين العطاء، وبين الطاعة، فتعطى الأم من العطف والشفقة والحنان والصلات المادية ثلاثة أمثال ما يعطى الأب، ويطاع الأب في أوامره ونواهيه وتوجيهاته، فهو قائد الأسرة، وله القوامة عليها، وعليها طاعته، فلا معنى لطاعة الابن لها، ما دامت هي مطيعة للأب زوجها، ويبقى الكلام في طاعة الابن لها حيث لا يكون الأب موجودا، وعندي أن ذلك يخضع لظروف وملابسات يختلف معها الحكم، فقد يكون الابن بالغا عاقلا رشيدا حكيما، والأم متخلفة، تحكمها شهوتها وعاطفتها، فتأمره بالزواج بمن لا يهوى مثلا، أو تطليق من يهوى، ومن حاله مستقيمة معها. فكيف نوجب عليه طاعتها؟
وفي ترتيب الأقربين يقول النووي: قال أصحابنا: يستحب أن تقدم في البر الأم، ثم الأب، ثم الأجداد والجدات، ثم الأخوة والأخوات، ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام، كالأعمام والعمات،