يطلق ويراد به معان مختلفة فيطلق ويراد به البعث ومنه قوله تعالى {الذين كذبوا بلقاء الله}[يونس ٤٥] ويطلق ويراد به الموت ومنه قوله تعالى {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت}[العنكبوت ٥] وقوله {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم}[الجمعة ٨] وليسا مرادين هنا ولكن المراد منه هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض منه الموت فعائشة تقول في روايتنا الثالثة "والموت قبل لقاء الله" أي إن الموت غير اللقاء ولكنه معترض دون الغرض المطلوب فيجب أن يصير عليه ويحتمل مشاقه حتى يصل إلى الفوز باللقاء
وتنفي عائشة أن المراد بلقاء الله الموت فتقول في الرواية الرابعة لمن قال لها ليس منا أحد إلا وهو يكره الموت تقول "ليس بالذي تذهب إليه ولكن إذا شخص البصر" بفتح الشين والخاء أي فتح المحتضر عينيه إلى فوق فلم يطرف "وحشرج الصدر" بفتح الحاء وسكون الشين وفتح الراء أي ترددت الروح في الصدر وعلا وانخفض واضطرب الشهيق والزفير "واقشعر الجلد" أي قام شعره "وتشنجت الأصابع" بفتح التاء والنون المشددة بينهما شين أي تقبضت وهذه الأمور هي حالة المحتضر وهذه الزيادة من كلام عائشة ذكرتها استنباطا فكراهة الموت وشدته ليس المراد بلقاء الله فإن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة وقد عاب الله قوما بحب الحياة فقال {إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها}[يونس ٧] وقال النووي معنى الحديث أن المحبة والكراهة التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة حيث ينكشف الحال للمحتضر ويظهر له ما هو صائر إليه اهـ
وفي البخاري "قالت عائشة أو بعض أزواجه إنا لنكره الموت قال صلى الله عليه وسلم ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه" فهذا حديث آخر غير أحاديثنا وقصة أخرى حضرها عبادة بن الصامت وبعض أمهات المؤمنين وبعض الصحابة
ولما كان الشرط سببا في الجواب غالبا ذهب بعضهم إلى أن "من" في قوله "من أحب لقاء الله" موصولة وليست شرطية والمعنى عليها الذي يحب لقاء الله يحب الله لقاءه قال الكرماني ليس الشرط هنا سببا للجزاء بل الأمر بالعكس ولكنه على تأويل الخبر أي من أحب لقاء الله أخبره الله بأنه يحب لقاءه كذا الكراهة وقال ابن عبد البر "من" هنا خبرية وليست شرطية فليس معناه أن سبب حب الله لقاء العبد حب العبد لقاء الله ولا الكراهة ولكنه صفة حال الطائفتين في أنفسهم عند ربهم والتقدير من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه وكذا الكراهة
قال الحافظ ابن حجر ولا حاجة إلى دعوى نفي الشرطية فسيأتي في التوحيد من حديث أبي هريرة رفعه "قال الله عز وجل إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه" الحديث فتعين أن "من" في حديث الباب شرطية وتأويلها كما سبق في قول الكرماني أي التأويل في خبر "من" وليس في "من" وفي العدول عن الضمير إلى الظاهر في قوله "أحب الله لقاءه" ولم يقل أحب لقاءه تفخيم