القيام إلى الصلاة، مستدلين بقوله تعالى:{إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ... }[المائدة: ٦] وذهب آخرون إلى أنه الحدث، وذهب الأكثرون إلى أنه إرادة الصلاة بشرط الحدث.
قال النووي: اختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أوجه: أحدها أنه يجب بالحدث وجوبا موسعا، والثاني لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة، والثالث: يجب بالأمرين وهو الراجح عند أصحابنا. اهـ.
واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة، فذهب ابن الجهم من المالكية إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنة، ثم نزل فرضه في آية التيمم، وقال ابن حزم بأنه لم يشرع إلا بالمدينة، والجمهور أنه كان فرضا قبل نزول آية التيمم في سورة المائدة، وهذا ما لا يجهله عالم. اهـ.
ويمكن الرد على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة بما رواه الحاكم عن ابن عباس "دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، وتقول: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك، فقال: إيتوني بوضوء فتوضأ" بل نقل ابن عبد البر أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل قط إلا بوضوء، قال: واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة؟ فذهب جماعة من السلف إلى أن الوضوء واجب لكل صلاة ولو من غير حدث، روي ذلك عن ابن عمر وأبي موسى وجابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب وغيرهم، واحتجوا بقوله تعالى:{إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ... } فالحكم في الآية وهو الغسل معلق بالشرط، فيقتضي تكراره بتكرار الشرط.
وذهب قوم إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ، ويؤيدهم ما أخرجه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة، طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث". وعن النخعي أنه لا يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات.
وجمهور العلماء والأئمة الأربعة وأكثر أصحاب الحديث وغيرهم أن الوضوء لا يجب إلا من حدث، ولكن تجديده لكل صلاة مستحب، قال النووي: وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك، ولم يبق بينهم فيه خلاف. اهـ.
واستدلوا بالأحاديث الصحيحة الكثيرة منها ما رواه البخاري "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" وما رواه مسلم من حديث بريدة "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال: عمدا فعلته" وفي مسند الدارمي "لا وضوء إلا من حدث" وعند أبي داود والنسائي عن أنس "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ كل صلاة وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد".
قال بعض العلماء: كانت هذه عادته صلى الله عليه وسلم الغالبة، وإلا فقد جمع بين صلاتين فأكثر بوضوء واحد، كما في حديث بريدة السابق، وكما جاء في حديث سويد بن النعمان عند البخاري بلفظ "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فلما صلى دعا بالأطعمة، فلم يؤت إلا بالسويق، فأكلنا وشربنا، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغرب، فمضمض، ثم صلى لنا المغرب، ولم يتوضأ".