قال بعض العلماء: يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم خاصة، ثم نسخ يوم الفتح، ويحتمل أنه كان يفعله استحبابا، ثم خشي أن يظن وجوبه، فتركه لبيان الجواز، وهذا أقرب، وأجابوا عن قوله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ... } بأنها في حق المحدثين، أو أن الأمر بالغسل فيها للندب، وحكى الشافعي عمن لقيه من أهل العلم أن التقدير: إذا قمتم من النوم.
قال الزمخشري عند تفسير الآية: فإن قلت: ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة، محدث وغير محدث، فما وجهه؟ قلنا: يحتمل أن يكون الأمر للوجوب، فيكون الخطاب للمحدثين خاصة، وأن يكون للندب، فإن قلت: هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين وغيرهم؟ لهؤلاء على وجه الإيجاب، ولهؤلاء على وجه الندب؟ قلت: لا. لأن تناول الكلمة الواحدة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية. اهـ.
وفي استحباب تجديد الوضوء ذكر النووي أوجها: أحدها: أنه يستحب لمن صلى به صلاة، سواء أكانت فريضة أم نافلة، الثاني: لا يستحب إلا لمن صلى فريضة، الثالث: يستحب لمن فعل به ما لا يجوز إلا بطهارة، كمس المصحف وسجود التلاوة، الرابع: يستحب وإن لم يفعل به شيئا أصلا بشرط أن يتخلل بين التجديد والوضوء زمن يقع بمثله تفريق.
ولا يستحب تجديد الغسل على المذهب المشهور، وفي استحباب تجديد التيمم وجهان أشهرهما ولا يستحب.
والوضوء واجب على المحدث عند القيام إلى أي نوع من أنواع الصلاة. قال النووي: وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب، ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة إلا ما حكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري من قولهما: تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة، وهذا مذهب باطل، وأجمع العلماء على خلافه، ولو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم، ولا يكفر عند الشافعية وعند الجماهير وحكي عن أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- أنه يكفر لتلاعبه، ودليل الشافعية: أن الكفر للاعتقاد، وهذا المصلي اعتقاده صحيح، وهذا كله إذا لم يكن للمصلي محدثا عذر، وأما المعذور، كمن لم يجد ماء ولا ترابا ففيه أربعة أقوال للشافعي -رحمه الله تعالى- وهي مذاهب العلماء، قال بكل واحد منها قائلون: أصحها يجب عليه أن يصلي على حاله، ويجب أن يعيد إذا تمكن من الطهارة، والثاني يحرم عليه أن يصلي، ويجب القضاء، والثالث يستحب أن يصلي ويجب القضاء، والرابع يجب أن يصلي ولا يجب القضاء، وهو أقوى الأقوال دليلا، فأما وجوب الصلاة فلقوله صلى الله عليه وسلم "وإذا أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم" وأما الإعادة فإنها تجب بأمر مجدد، والأصل عدمه. اهـ.
والقول الأول مشهور وهو مذهب الشافعية، وقول لبعض المالكية، والقول الثاني قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يتشبه بالمصلي فلا ينوي ولا يقرأ ويركع ويسجد، ويعيد الصلاة متى قدر على إحدى الطهارتين، والقول الرابع قول أحمد، واختاره المزني من الشافعية.