٢ - والفرق بين القبول والصحة دقيق، فالقبول يفسر بوقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة، والصحة الإتيان بها مستوفية الأركان والشروط، وقد يتخلف القبول مع تحقق الصحة، فصلاة العبد الآبق، وشارب الخمر مادام في جسده شيء منها، والصلاة في الدار المغصوبة صحيحة عند الشافعية غير مقبولة، فقد تقع العبادة صحيحة ولا تقبل لمانع.
وقد يطلق القبول ويراد به الصحة لما بينهما من تلازم غالبا، كما في قوله صلى الله عليه وسلم "لا تقبل صلاة بغير طهور" أي لا تقبل ولا تصح صلاة بغير طهور، وسيأتي مزيد إيضاح لهذه النقطة في الحديث التالي.
٣ - الطاعة بالمال الحرام وإنفاقه في وجوه الخير: وأما الطاعة بالمال الحرام فباطلة غير مقبولة، وإذا بطلت الصدقة بسبب ما يتبعها من معصية بنص قوله تعالى {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}[البقرة: ٢٦٤] بطلت إن قارنتها السيئة من باب أولى، بل إن المتصدق من غلول يجعل الصدقة بعين المعصية، لأن الغال في دفعه المال إلى الفقير غاصب متصرف في ملك الغير، فهو آثم باستيلائه على المال، آثم بتصرفه فيه، لأن كل من أخذ مال غيره بلا وجه شرعي لزمه رده لصاحبه إن كان حيا، وإلا رده على ورثته، ولا يغني عنه شيئا التصدق به.
نعم إن لم يكن له ورثة، أو لم يدر صاحبه، أو استولى عليه بعقد فاسد ولم يتمكن من فسخه فإنه يتصدق به، وثوابه لمالكه، ويرجى لهذا الغال الخلاص يوم القيامة إن أدركه عفو الله.
قال الأبي: وانظر الحج بالمال الحرام، والظاهر الصحة كالصلاة في الدار المغصوبة، وأما النكاح به فقال مالك فيه: أخاف أن يضارع الزنا. اهـ.
٤ - وفي تحليل موقف ابن عمر من مطلب ابن عامر يقول النووي: معناه أنك لست بسالم من الغول، فقد كنت واليا على البصرة، وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، ولا يقبل الدعاء لمن هذه صفته، كما لا تقبل الصلاة والصدقة إلا من متصون، والظاهر -والله أعلم- أن ابن عمر قصد زجر ابن عامر، وحثه على التوبة وتحريضه على الإقلاع عن المخالفات، ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة. اهـ.
ويقول الأبي: لعله مذهب لابن عمر أنه لا يدعي للمتلبس بالمخالفة، وإلا فهو جائز. اهـ.
والذي تستريح إليه النفس أن ابن عمر لم يقصد بكلامه أن الدعاء لا يقبل لمن هذه صفته، كما لا تقبل الصلاة والصدقة إلا من متصون، كما يقول النووي، لأن ابن عمر وفقهه يبعد هذا الفهم الخطأ، ويبعد أن يراد بالفتوى الخاطئة الزجر والتغليظ.
كما أن ابن عمر وفقهه يبعد أن يكون ذلك مذهبا له كما ذهب إليه الأبي.
إن الحديث لم يتعرض لدعاء ابن عمر بنفي ولا إثبات، فيحتمل الإثبات، ويكون المعنى: لقد ارتكبت ظلما في ولايتك، وما أنفقته من مال حرام غير مقبول، فرد المظالم والجأ إلى التوبة لتساعد