إشارة إلى تمكن الزكاة منهم وعدم خروجها عنهم، وفي الرواية الثالثة "فترد على فقرائهم" والتعبير بعلى فيه من التمكن ما ليس في "إلى".
(فإن هم أطاعوا لذلك) وفي رواية "فإذا أقروا بذلك" وجواب الشرط الحقيقي محذوف، ذكر في الرواية الثالثة وفيها "فإذا أطاعوا بها فخذ منهم" وأما قوله:
(فإياك وكرائم أموالهم) فهو مرتب على الجواب، وكرائم الأموال نفيسها، وقيل: هي ما يخص بها صاحبها نفسه ويؤثرها على غيرها، لما فيها من صفات الكمال، من غزارة اللبن أو جمال الصورة أو كثرة اللحم أو الصوف أو نحو ذلك، وأصل "إياك" أحذرك فحذف الفعل، وانفصل ضمير المفعول، ولا يجوز ترك الواو في "وكرائم" لأن المحذر منه إن كان اسما صريحا وولى المحذر استعمل بمن أو الواو، ولا يخلو عنهما، وإن كان فعلا وجب أن يكون مع "أن" ليكون في تأويل الاسم فيستعمل بالواو عطفا.
وقد نقل ابن مالك: إياك الأسد بدون واو، ولكنه شاذ.
(واتق دعوة المظلوم) الفعل معطوف على عامل "إياك" المحذوف، والتقدير: اتق نفسك أن تتعرض للكرائم، واتق نفسك أن تتعرض لدعوة المظلوم، والمقصود تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلى أن أخذها ظلم.
(فإنه) أي فإن الشأن، وفي رواية "فإنها" أي فإن القصة أو فإن دعوة المظلوم.
(ليس بينها وبين الله حجاب) الجملة تذييل لتعليل اتقاء دعوة المظلوم، وليس المراد أن لله حجابا يحجبه عن شيء، ولكن المقصود أن دعوة المظلوم مقبولة مجابة، فالكلام على سبيل التمثيل بتشبيه هيئة دعاء المظلوم وعدم وجود صارف له، أو مانع من قبوله، بهيئة من يقصد دار السلطان متظلما فتفتح له الأبواب، ويرفع أمامه كل حجاب.
-[فقه الحديث]-
استشكل على الحديث بأنه لم يرد فيه ذكر الصوم والحج مع أن بعث معاذ كان في آخر الأمر.
وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة، وأجاب الكرماني بجوابين يرفع بهما نسبة التقصير للرواة فقال في أحدهما: يحتمل أنه لم يكن حينئذ شرع. وهذا جواب مردود.
وقال في ثانيهما: إن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر، ولهذا كررا في القرآن، فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام، والسر في ذلك أن الصلاة والزكاة إذا وجبا على المكلف لا يسقطان عنه أصلا، بخلاف الصوم فإنه قد يسقط بالفدية، والحج فإن الغير قد يقوم مقامه فيه كما في المعضوب (أي العاجز عن أداء الحج). اهـ.