للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا جواب حسن، وأحسن منه أن يقال: إذا كان الكلام في بيان الأركان جاء الشارع بها كاملة ولم يخل بشيء منها، كما في حديث "بني الإسلام على خمس" فإذا كان في غير بيان الأركان كالدعوة إلى الإسلام صح أن يكتفي بالأركان الثلاثة الشهادتين والصلاة والزكاة، ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج كقوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} [التوبة: ١١] في موضعين من سورة "براءة" ونزولها بعد فرض الصوم والحج قطعا، وكحديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" وغير ذلك من الأحاديث.

والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة: اعتقادي وهو الشهادتان، وبدني وهو الصلاة، ومالي وهو الزكاة، والصلاة شاقة لتكررها، والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال، فإذا أذعن المرء لهذه الثلاث كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها.

كما استشكل عليه بأنه لا وجه لترتيب الدعوة إلى الزكاة على الإطاعة بالصلاة.

وقيل في الجواب: إن الترتيب ترتيب بيان واهتمام، لا ترتيب إيجاب، لأن الزكاة تجب على قوم من الناس دون آخرين.

وأولى من هذا الجواب قول بعضهم: إنهم إذا أجابوا إلى الشهادتين، ودخلوا بذلك في الإسلام، ثم لم يذعنوا لوجوب الصلاة كان ذلك كفرا وردة عن الإسلام بعد دخولهم فيه، فيصير مالهم فيئا، ولا يؤمرون بالزكاة بل يقتلون.

واستدل الجمهور بالحديث على أنه لا يكفي في الإسلام الاقتصار على شهادة أن لا إله إلا الله، حتى يضيف إليها الشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

وقال بعضهم: يصير بالأولى مسلما ويطالب بالثانية، وفائدة الخلاف تظهر في الحكم بالردة.

والقول الراجح قول الجمهور وأن المطالبة ابتداء تكون بالشهادتين، ومن كان موحدا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة.

ومن كان مشبها أو معتقدا ما يستلزم الإشراك كمن يقول ببنوة عزير فإنه يطالب بالإقرار بالتوحيد- لنفي ما يستلزم عقيدته- وبالإقرار بالرسالة.

وهل يشترط التبرؤ من كل دين يخالف دين الإسلام؟ وبعبارة أخرى: هل يشترط للحكم بإسلام من يعتقد التشبيه أو يعتقد بنوة عزير أن يقر بترك هذا الاعتقاد؟ أو يكفي للحكم بإسلامه الإقرار بالشهادتين؟

الصحيح الثاني، وهو الذي يؤخذ من الحديث، لأن اعتقاد الشهادتين يستلزم ترك اعتقاد ما ينافيهما.

وقد استدل القاضي عياض بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثالثة "فإذا عرفوا الله فأخبرهم" استدل به على أن اليهود والنصارى غير عارفين الله تعالى وإن كانوا يعبدونه ويظهرون

<<  <  ج: ص:  >  >>