معرفته، وقال: ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود وأجاز عليه البداء أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد، أو أجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى، أو وصفه بما لا يليق به، أو أضاف إليه الشريك والمعاند من المجوس والوثنية، فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله، وإن سموه به، إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له، فإذن هم ما عرفوا الله سبحانه وتعالى. اهـ وهذا مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى.
واستدل بعضهم بالحديث على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة من الصلاة والصوم والزكاة وتحريم الزنا ونحوها، لكونه صلى الله عليه وسلم قال "فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن عليهم ... " فدل على أنهم إذا لم يطيعوا لا يجب عليهم، ودل على أنهم يدعون أولا إلى الإيمان، ثم لا يدعون إلى العمل إلا بعد أن يؤمنوا.
ومذهب المحققين والأكثرين -وهو المختار- أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة (المأمورات والمنهيات) وغاية ما في الحديث أن مطالبتهم في الدنيا بالفروع لا تكون إلا بعد الإسلام، لأنها لا تصح منهم بدونه، ولا يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها، يزاد في عذابهم في الآخرة بسببها، كمن أتلف ثوبا مخيطا فإنه مسئول عن الثوب وعن خياطته وإن لم يطالب عمليا بالخياطة إلا بعد تحصيل الثوب.
وفي المسألة رأي ثالث هو أن الكفار مخاطبون بالمنهيات دون المأمورات، وهو رأي ضعيف.
واستدل به الخطابي وسائر أصحاب الشافعي على أن الزكاة لا يجوز نقلها عن بلد المال، لقوله صلى الله عليه وسلم "فترد في فقرائهم" فإن معناه أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم، والوصية لمعاذ أن يأخذ الزكاة من أغنياء البلد الموجه إليها ويردها على فقرائها، فلا يجوز له نقلها إلى بلد آخر.
ورد المخالفون بأن الضمير في "فقرائهم" محتمل لفقراء المسلمين ولفقراء أهل تلك البلدة أو الناحية، وحيث تطرق الدليل إلى الاحتمال سقط به الاستدلال.
وعلى هذا أجاز أبو حنيفة النقل، ورأى المالكية ترك النقل، لكنه إن خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح، ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها.
واستدل به الجمهور على إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون، لعموم قوله "من أغنيائهم" وذهب الحنفية إلى عدم إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون لحديث "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق".
ولا يخفى أن المكلف بإخراج الزكاة من مال الصبي هو وليه، ففي مال الصبي حق غير مكلف هو بأدائه، وإنما المكلف بأدائه هو الوصي، فلا تنافي بين إيجاب الزكاة من ماله وبين رفع القلم عنه.
كما استدل به الجمهور أيضا على عدم وجوب الوتر، فليس على المسلم من صلاة غير الخمس. ورد الحنفية الموجبون للوتر بجواز وجوبه بعد وصية معاذ على أن الراوي أو الوصية لم يأت بكل المفروضات.