المسح مرة واحدة، وبأن المسح مبني على التخفيف، فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل، إذ حقيقة الغسل جريان الماء.
وبالغ أبو عبيدة فقال: لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي، لكن الشافعي يستحب التثليث في المسح كما في الغسل، وتكرار المسح مسنون عند أبي حنيفة أيضا -كما صرح بذلك صاحب الهداية- ولكن بماء واحد، ولعل بعض الروايات في ظاهرها تؤيدهما، إذ جاء فيها "توضأ ثلاثا ثلاثا" فلم تستثن مسح الرأس.
وقد وردت أحاديث كثيرة بالمسح ثلاثا، ففي سنن أبي داود من حديث عبد الرحمن بن وردان عن حمران "ومسح رأسه ثلاثا" وفيه أيضا من حديث علي رضي الله عنه رفعه "ومسح برأسه ثلاثا" وفي سنن الدارقطني عن عمر رضي الله عنه في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم "ومسح برأسه ثلاثا" والله أعلم.
١١ - ولم تتعرض الروايات للنية، ومذهب المالكية والشافعية وأحمد أنها واجبة في الوضوء والغسل كبقية العبادات، واستدلوا بقوله تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}[البينة: ٥].
وقالوا: الإخلاص هو النية، لأنه عمل من أعمال القلب، وهو مأمور به، كذلك استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" وقدروا معناه: إنما صحة الأعمال بالنيات. ومذهب الحنفية عدم وجوب النية في الوضوء والغسل، وقدروا المعنى في الحديث: إنما كمال الأعمال، أو ثوابها بالنيات.
قال ابن رشد: وسبب اختلافهم هو تردد الوضوء بين أن يكون عبادة محضة، أي مقصودا بها القربة فقط كالصلاة وغيرها، وبين أن يكون عبادة معقولة المعنى، كغسل النجاسة، فإنهم لا يختلفون في أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية، والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة إلى النية، والوضوء فيه شبه من العبادتين، ولذلك وقع الخلاف فيه، وذلك أنه يجمع عبادة ونظافة. اهـ.
والنية محلها القلب وإن جمع اللفظ مع القلب كان آكد وأفضل عند الشافعية وجمهور العلماء، ومنع الجهر بها ابن تيمية وابن القيم وجماعة من العلماء.
١٢ - وأما التسمية عند الوضوء فلم تأت في شيء من الأحاديث الصحيحة، بل قال أحمد: لا أعلم فيها حديثا له سند جيد. اهـ.
وأما ما رواه الدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من توضأ وذكر اسم الله تعالى عليه كان طهورا لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورا لما مر عليه الماء" وما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" فإن أسانيدهما كلها ضعيفة، وأقوى ما يحتج به في مشروعية التسمية حديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع" رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي. ولما لم ترد التسمية في أحاديث الوضوء اختلفت المذاهب في مشروعيتها فيه: فالشافعية على أن التسمية سنة في الوضوء وجميع العبادات وغيرها من الأفعال، حتى عند الجماع، لما رواه البخاري ومسلم من قوله