ثم ظاهر الرواية الرابعة أن الوضوء يستقل بالتكفير، إذ فيها "من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة" وظاهر الرواية الثامنة، أن التكفير موقوف على الوضوء، والمشي إلى الصلاة، إذ فيها "من توضأ هكذا، ثم خرج إلى المسجد، لا ينهزه إلا الصلاة غفر له ما خلا من ذنبه".
وظاهر الروايات الثانية والثالثة والسادسة أن التكفير موقوف على إحسان الوضوء والصلاة "فيحسن الوضوء فيصلي" وظاهر بعض هذه الروايات أن المراد من الصلاة مطلق صلاة، وظاهر بعضها أن المراد المكتوبات الخمس.
وظاهر الرواية التاسعة أن التكفير موقوف على الوضوء والمشي والصلاة، إذ فيها "من توضأ للصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم مشي إلى الصلاة المكتوبة، فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد، غفر الله له ذنوبه".
وظاهر الرواية السابعة أن التكفير للصلاة، إذ فيها "من أتم الوضوء، كما أمره الله تعالى، فالصلوات المكتوبة كفارات لما بينهن".
وللجمع بين هذا الظاهر المتعارض قال العيني: يحتمل أن يكون ذلك باختلاف الأشخاص، فشخص يحصل له التكفير بالوضوء وشخص بالوضوء والمشي، وشخص بالوضوء والصلاة، وشخص بالوضوء والمشي والصلاة. اهـ. بتصرف.
ويمكن أن يقال: إن كلا منها يستقل بالتكفير، بل هناك من غيرها ما يستقل بالتكفير ففي الرواية الثانية عشرة "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" وفي الحديث "صيام عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة" و"إذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
ولا يقال: إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة وغيرها، فقد قال العلماء: إن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره، وإن لم يصادف صغيرة كتبت به حسنات، ورفعت به درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر، ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر، والله أعلم. قاله النووي.
ولما كان ظاهر بعض الروايات يفيد أن التكفير إنما هو لما تقدم الفعل من الذنوب وظاهر الرواية الأولى والثانية أن التكفير لما بينه وبين الصلاة التي تليها جمع بينها بأن التكفير لما تقدم وما تأخر إلى الصلاة التي تليها، فيكون تقدير بعضها: غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلى الصلاة التي تليها، ويكون تقدير البعض الآخر: غفر له ما بين تكليفه والصلاة الآتية. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - الحث على الاعتناء بتعلم آداب الوضوء وشروطه، والعمل بذلك، والاحتياط فيه، والحرص على أن يتوضأ على وجه عند جميع العلماء ولا يترخص بالاختلاف، فينبغي أن يحرص على التسمية،