للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

د- وقال بعضهم: إن الختان قطع عضو لا يستخلف من الجسد تعبدا فيكون واجبا كقطع اليد في السرقة، وتعقب بأن قطع اليد إنما أبيح في مقابلة جرم عظيم، فلم يتم القياس.

هـ- وقال الماوردي: في الختان إدخال ألم عظيم على النفس، وهو لا يشرع إلا في إحدى خصال ثلاث: لمصلحة، أو عقوبة، أو وجوب، وقد انتفى الأولان، فثبت الثالث وتعقبه أبو شامة، بأن الختان فيه عدة مصالح كمريد الطهارة والنظافة، فإن القلفة من المستقذرات عند العرب، وقد كثر ذم الأقلف في أشعارهم، وكان للختان عندهم قدر، وله وليمة خاصة به، وأقر الإسلام ذلك. اهـ. وقد ذكرنا بعضا آخر من مصالحه.

و- وقال الخطابي: الختان واجب لأنه من شعار الدين، وبه يعرف المسلم من الكافر حتى لو وجد مختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين وتعقبه أبو شامة بأن شعائر الدين ليست كلها واجبة. وما ادعاه في المقتول مردود، لأن اليهود وكثيرا من النصارى يختتنون، فليقيد ما ذكره بالقرينة.

ز- وقال البيهقي: أحسن الحجج أن يحتج بحديث أبي هريرة الذي في الصحيحين مرفوعا "اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم" وقد قال الله تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} [النحل: ١٢٣] وصح عن ابن عباس أن الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم فأتمهن هي خصال الفطرة، ومنهن الختان والابتلاء غالبا إنما يقع بما يكون واجبا. وتعقب بأنه لا يلزم ما ذكر، إلا إن كان إبراهيم عليه السلام قد فعله على سبيل الوجوب فإنه من الجائز أن يكون فعله على سبيل الندب، فيحصل امتثال الأمر باتباعه على وفق ما فعل، وقد قال تعالى في حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {واتبعوه لعلكم تهتدون} [الأعراف: ١٥٨] واتباعه في الأمر الواجب واجب وفي المندوب مندوب، وقد تقرر في الأصل أن أفعاله بمجردها لا تدل على الوجوب.

والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقن السنية والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه.

(فائدة) ذكر الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل أنه اختلف في النساء هل يخفضن عموما؟ أو يفرق بين نساء المشرق فيخفضن، ونساء المغرب فلا يخفضن لعدم الفضلة المشروع قطعها منهن، بخلاف نساء المشرق؟ قال: فمن قال: إن من ولد مختونا استحب إمرار الموسى على الموضع امتثالا للأمر قال في حق المرأة كذلك، ومن لا فلا. اهـ. ذكره الحافظ في الفتح.

والقائلون بإمرار الموسى على موضع الختان لمن ولد مختونا جماعة من الشافعية ويقصدون إمراره من غير جرح حفاظا على شكل الحكم. وعندي: أن الدين ليس طقوسا وأشكالا وهياكل، وإنما هو حكم ومنافع، وما لا فائدة منه لا يشرع وإلا لطلبنا إمرار المقص على أصبع من ليس له أظافر، وطلبنا ممن ليس له شعر إبط أن يحاكي من ينتفه، وهكذا لنصبح أضحوكة العقلاء، ومثار سخرية الأعداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>