(وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم)"فقال" تفسير لأنزل، والآية مقصود لفظها تنازعها الفعلان.
{إنك لا تهدي من أحببت} مفعول "أحببت" محذوف، والتقدير: من أحببته لقرابته ودفاعه عنك، أو من أحببت هدايته.
(لولا أن تعيرني قريش) أي لولا أن تقبحني قريش، وتسند إلي العار.
(يقولون) بواو الجماعة العائد على قريش باعتبار معناه وأفراده، والجملة بيان للتعبير.
(إنما حمله على ذلك الجزع) بالجيم والزاي، وهو الخوف من الموت، ونقله بعض أهل اللغة "الخرع" بالخاء والراء المفتوحتين، وهو الضعف والخور.
(لأقررت بها عينك) معنى أقر الله عينه، بلغه أمنيته. حتى ترضى نفسه، وتقر عينه فلا تستشرف لشيء، وقيل: معناه: أبرد الله دمعته، لأن دمعة الفرح باردة، وقيل: معناه أراه الله ما يسره.
-[فقه الحديث]-
جمهور العلماء، والرأي المعتمد أن "أبا طالب" مات مشركا، وهذا الحديث نص في ذلك وتؤيده الآية الكريمة، ولا يلتفت إلى القول بأنه مات مؤمنا، اعتمادا على ما روي من أن العباس قال:(والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرت بها يا رسول الله) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لم أسمعها، على أن العباس قال ذلك قبل أن يسلم، ولو أداها بعد الإسلام لقبلت منه.
كما أنه لا يلتفت إلى قول القرطبي: وقد سمعت أن الله تعالى أحيا عمه أبا طالب فآمن به.
فإن قيل: جاء في بعض السير: أن أبا طالب كان مصدقا بقلبه، وفي صحة إيمان المصدق بقلبه دون أن ينطق بلسانه خلاف، فهل يدخل إيمان أبي طالب في هذا الخلاف ويعد مؤمنا عند من يعتد بذلك؟ .
أجيب بأنه لا يدخل عند أي من المختلفين، لأن محل الخلاف ما لم يعلن نقيض الإيمان وأبو طالب صرح بالنقيض في قوله "هو على ملة عبد المطلب" وقد استشكل على رواية "أحاج لك بها عند الله تعالى" أن أبا طالب لو قالها لم يحتج الأمر إلى محاجة، وفي هذا يقول ابن بطال: أي محاجة يحتاج إليها من وافى ربه بما يدخله الجنة؟
وأجيب بأنه يجوز أن يكون أبو طالب حينئذ قد عاين أمر الآخرة، وأيقن بالموت وصار في حالة لا ينفع معها الإيمان، مصداقا لقوله تعالى {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن}[النساء: ١٨].