واستدلوا على التفرقة بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة -رضي الله عنها- وكانت حائضا -"انقضي رأسك وامتشطي" رواه البخاري. وسيأتي باب خاص بهذه النقطة بعد بابين.
٦ - الدلك في الغسل: ويستفاد من قولهما في الرواية الأولى "ثم أفاض على سائر جسده" أن الدلك غير واجب، وقد سبق إيضاح حكم الدلك في باب صفة الوضوء وكماله، وقلنا: إن المراد بالدلك في الوضوء وفي الغسل إمرار اليد على العضو، مع الماء أو بعده، وفي وجوبه خلاف.
فقد ذهب مالك وأصحابه والمزني من الشافعية إلى وجوبه في الوضوء والغسل مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في الغسل:"ادلكي جسدك بيدك" والأمر للوجوب. ولا فرق على المذهب بين الوضوء والغسل وبأنه من مسمى الغسل، أو شرط فيه، قاله الحطاب والنفراوي. وقال مالك في المدونة، في الجنب يأتي النهر، فينغمس فيه انغماسا وهو ينوي الغسل من الجنابة، ثم يخرج قال: لا يجزئه وإن نوى الغسل إلا أن يتدلك، قال: وكذا الوضوء أيضا. قلت: أرأيت إن أمر يديه على بعض جسده، ولم يمرها على جميع الجسد؟ قال: لا يجزئه ذلك حتى يمرهما على جميع جسده كله ويتدلك. اهـ.
وعلل القاضي عياض وجوب الدلك بأن في البدن مغابن يقطع بأنه لا يصل الماء إليها بإمرار اليد، ورد هذا القول بأنه لا يتعين في وصول الماء إلى تلك المغابن أن يكون بالدلك.
وذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه سنة، واستدلوا بالأحاديث الكثيرة الواردة في صفة الوضوء والغسل التي ليس فيها التصريح بالدلك.
والحق أن فيما ذهب إليه الإمام مالك تضييقا وتعسيرا، وإلزاما بما هو متعذر، فإن بعض الأماكن من الجسم لا يمكن وصول اليد إليها إلا بصعوبة اللهم إلا أن يأمر باستعمال حبل ونحوه، مما لم يؤثر أن عائشة -رضي الله عنها- قد أمرت به.
نعم الدلك فيما يتيسر دلكه من الأعضاء مطلوب احتياطا- والله أعلم.
٧ - التثليث في الغسل الكامل: واستدل بقولهما في الرواية الأولى والثالثة "حفن على رأسه ثلاث حفنات" استدل به على أن المسنون في الغسل ثلاث مرات، وعليه إجماع العلماء، وأما الفرض منه فغسل سائر البدن بالإجماع.
قالت الشافعية: استحباب صب الماء على الرأس ثلاثا متفق عليه، وألحق به سائر الجسد قياسا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء، وهو أولى بالثلاث من الوضوء فإن الوضوء مبني على التخفيف لتكراره، فإذا استحب فيه الثلاث فالغسل أولى. وقال النووي: ولا نعلم فيه خلافا إلا ما تفرد به الماوردي، حيث قال: لا يستحب التكرار في الغسل، وهو شاذ متروك. اهـ. وبما قاله النووي قالت الحنفية والحنابلة.
وقالت المالكية: ليس في الغسل شيء يندب فيه التثليث سوى الرأس بخلاف الوضوء، والفرق كثرة المشقة في الغسل، وسيأتي في باب خاص بهذه النقطة بعد باب واحد إن شاء الله تعالى.