٨ - صفة الغسل وكماله: ويحسن بنا هنا أن نورد ما ذكره العلماء في صفة الغسل وكماله، تتميما للفائدة، فنقول: قال النووي: قال أصحابنا: كمال غسل الجنابة أن يبدأ المغتسل، فيغسل كفيه ثلاثا، قبل إدخالهما في الإناء، ثم يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة بكماله ثم يدخل أصابعه كلها في الماء، فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته، ثم يحثى على رأسه ثلاث حثيات، ويتعاهد معاطف بدنه، كالإبطين وداخل الأذنين والسرة، وما بين الإليتين وأصابع الرجلين وعكن البطن وغير ذلك، فيوصل الماء إلى جميع ذلك، ثم يفيض الماء على سائر جسده ثلاث مرات يدلك في كل مرة ما تصل إليه يداه من بدنه، وإن كان يغتسل في نهر أو بركة انغمس فيها ثلاث مرات، ويوصل الماء إلى جميع بشرته والشعور الكثيفة والخفيفة، ويعم بالغسل ظاهر الشعر وباطنه وأصول منابته، والمستحب أن يبدأ بميامنه وأعالي بدنه، وأن يكون مستقبل القبلة وأن يقول بعد الفراغ: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وينوي الغسل من أول شروعه فيما ذكرناه ويستصحب النية إلى أن يفرغ من غسله. فهذا كمال الغسل، والواجب من هذا كله النية في أول ملاقاة أول جزء من البدن للماء، وتعميم البدن شعره وبشره بالماء، ومن شرطه أن يكون البدن طاهرا من النجاسة، وما زاد على هذا مما ذكرناه سنة. اهـ. وهذا مذهب الشافعية.
وذهبت المالكية إلى أن فرائضه النية، وتعميم الجسد بالماء، والدلك وتخليل الشعر والموالاة.
وذهبت الحنفية إلى أن فرائضه غسل فمه، وأنفه، وتعميم سائر جسده بالماء.
وقالت الحنابلة: إن فرائضه إزالة ما على بدنه من نجاسة أو غيرها مما يمنع وصول الماء إلى البشرة، والنية، والتسمية، وتعميم الجسد بالماء حتى أنفه وفمه وظاهر الشعر وباطنه.
وهل يشترط أن يكون الماء قراحا؟ أو يصح بالماء المختلط [بالصابون ونحوه] خلاف.
ذهبت الحنفية إلى صحة الغسل والوضوء بالماء المخلوط بطاهر، واحتجوا بما رواه أبو داود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغسل رأسه بالخطمي [بكسر الخاء وقد تفتح، نبات يوضع في الماء فيحلل الأوساخ عند الغسل كالصابون] وهو جنب، يجتزئ، ولا يصب عليه الماء".
ولا حجة لهم فيه، لأن فيه اضطرابا، وراويا مجهولا، وعلى تقدير صحته فهو محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع الخطمي على رأسه، ثم صب عليه الماء، فهو وإن كان فيه اختلاط إلا أنه يسير، لا يخرج الماء عن كونه مطلقا تزال به الجنابة وغيرها. بهذا يقول الجمهور وقال ابن رسلان: المراد أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتفي بالماء المخلوط به الخطمي الذي يغسل به، وينوي به غسل الجنابة ولا يستعمل بعده ماء آخر صافيا يخص به الغسل وهذا فيما إذا وضع السدر أو الخطمي على الرأس، وغسله به: فإنه يجزئ ذلك، ولا يحتاج إلا أن يصب عليه الماء ثانيا مجردا للغسل، وأما إذا طرح السدر في الماء، ثم غسل به رأسه فإنه لا يجزئه ذلك، بل لا بد من الماء القراح بعده. فليتنبه لذلك لئلا يلتبس، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم غسل رأسه بالماء الصافي قبل أن