يغسله بالخطمي فارتفعت الجنابة عن رأسه، ثم يغسل سائر الأعضاء، ويحتمل أن الخطمي كان قليلا والماء لم يفحش تغيره. اهـ. والله أعلم.
٩ - التنشيف من ماء الغسل: وقد استدل بقول ميمونة -رضي الله عنها- في الرواية الثالثة "ثم أتيته بالمنديل فرده" من قال بكراهة التنشيف في الغسل والوضوء، كما استندوا إلى أن الماء أثر عبادة، فيكره إزالته، كدم الشهيد وخلوف فم الصائم. ومنهم جابر بن عبد الله وابن أبي ليلى وسعيد بن المسيب. قال الحافظ ابن حجر: ولا حجة في الحديث، لأنها واقعة حال، يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف، بل لأمر يتعلق بالخرقة، أو لكونه كان مستعجلا، أو غير ذلك. قال المهلب: يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة الماء، أو للتواضع، أو لشيء رآه في الثوب من حرير أو وسخ، وقد وقع عند أحمد في هذا الحديث، عن الأعمش قال: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي. فقال: لا بأس بالمنديل، وإنما رده مخافة أن يصير عادة. وقال التيمي في شرحه: في هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف، إذ لولا ذلك لم تأته بالمنديل، وقال ابن دقيق العيد: نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف، لأن كلا منهما إزالة. اهـ.
واستدل من أباح التنشيف بأحاديث كثيرة، وهي وإن كانت ضعيفة فإنها يقوي بعضها بعضا، منها حديث أم هانئ عند الشيخين:"قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله، فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به" ومنها حديث قيس بن سعد "أتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعنا له ماء، فاغتسل، ثم أتيناه بملحفة ورسية، فاشتمل بها، فكأني أنظر إلى أثر الورس عليه" رواه أبو داود، وصححه ابن حزم [الملحفة الورسية هي المصبوغة بالورس وهو نبات كالسمسم، يزرع باليمن ويصبغ به] ومنها ما رواه ابن ماجه عن سلمان "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فقلب جبة صوف كانت عليه، فمسح بها وجهه" ومنها حديث عائشة "كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة، يتنشف بها بعد الوضوء" رواه الترمذي، وصححه الحاكم. ومنها حديث معاذ "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه" رواه الترمذي، ومنها حديث أبي بكر "كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء" رواه البيهقي.
قال النووي: وقد اختلف الصحابة وغيرهم في التنشيف على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه لا بأس به في الوضوء والغسل، وهو قول أنس بن مالك والثوري [وعليه أبو حنيفة ومالك وأحمد].
والثاني: مكروه فيهما، وهو قول ابن عمر وابن أبي ليلى.
والثالث: يكره في الوضوء دون الغسل، وهو قول ابن عباس -رضي الله عنهما.
أما عن مذهب الشافعية فقد قال النووي: اختلف علماء أصحابنا في تنشيف الأعضاء في الوضوء والغسل على خمسة أوجه: أشهرها أن المستحب تركه، ولا يقال: فعله مكروه. الثاني: أنه مكروه. الثالث: أنه مباح يستوي فعله وتركه، وهذا هو الذي نختاره فإن المنع والاستحباب يحتاج إلى