(وهو يعلم) جملة حالية، والعلم هو الإدراك الجازم، والمقصود لازم العلم من النطق بما علم والعمل بموجبه جمعا بين النصوص.
-[فقه الحديث]-
في معنى الحديث وردت أحاديث كثيرة بألفاظ مختلفة، منها قوله صلى الله عليه وسلم "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" وقوله صلى الله عليه وسلم "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة" وقوله "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك إلا دخل الجنة" وقوله "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" وقوله لأبي هريرة "من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة" وقوله "حرم الله على النار من قال لا إله إلا الله يبغي بذلك وجه الله".
ولما كان موضوع هذه الأحاديث يتعلق بالعصاة من المسلمين كان من الضروري بيان المذاهب في حكمهم، وموقف كل مذهب من هذه الأحاديث ونحوها فنقول:
أولا: ذهب الخوارج إلى أن المعصية تضر الإيمان وتجعل صاحبها كافرا مخلدا في النار، وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ثانيا: ذهب المعتزلة إلى أن العاصي بالكبيرة مخلد في النار، ولا يوصف بأنه مؤمن ولا بأنه كافر، وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وهذه الأحاديث تدفع هذين المذهبين، وتردهما.
ثالثا: ذهب غلاة المرجئة إلى أن مظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه، وهذه الأحاديث وإن كان ظاهرها في مجموعها يوافقهم لكن في بعضها ما يرد عليهم، فقوله صلى الله عليه وسلم "غير شاك" وقوله "مستيقنا بها قلبه" وقوله في حديث الباب "وهو يعلم أن لا إله إلا الله" كل هذه النصوص ترد ما ذهبوا إليه، وتوجب اعتقاد القلب.
رابعا: قال بعضهم: إن مجرد معرفة القلب نافعة، وإن لم ينطق بالشهادتين وظاهر حديث الباب يؤيده إذ يقول صلى الله عليه وسلم "من مات وهو يعلم" لكن يعارضه لفظ "من كان آخر كلامه"، و"من قال" الوارد في الأحاديث الأخرى، فجمعا بين الأحاديث، وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم "يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه" وجب القول بأ نه لا ينفع الاعتقاد وحده، ولا ينفع النطق وحده.
خامسا: مذهب أهل السنة (وهو الذي يعنينا، وهو الذي نحرص على عدم تعارضه مع الأحاديث،