ومنها حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه أبو يعلى "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق ذات يوم في طلب رجل من الأنصار، فدعاه، فخرج الأنصاري ورأسه يقطر ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لرأسك؟ فقال: دعوتني وأنا مع أهلي فخفت أن أحتبس عليك، فعجلت فقمت وصببت على الماء، ثم خرجت. فقال: هل كنت أنزلت؟ قال: لا. قال: إذا فعلت ذلك لا تغتسلن. اغسل ما مس المرأة منك. وتوضأ وضوءك للصلاة، فإن الماء من الماء".
ومنها حديث رافع بن خديج أخرجه الطبراني وأحمد قال:"ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بطن امرأتي، فقمت، ولم أنزل منيا، فاغتسلت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عليك إنما الماء من الماء".
ومنها ما أخرجه ابن راشد في جامعه "أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على سعد بن عبادة فلم يأذن له كان على حاجته، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام سعد سريعا، فاغتسل، ثم تبعه، فقال: يا رسول الله. إني كنت على حاجة، فقمت فاغتسلت، فقال صلى الله عليه وسلم: الماء من الماء".
ومضى الأمر على هذا حتى كانت أخريات أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الإسلام قد أشرب في قلوب أهله، واستقر في نفوسهم، وحرص أكثرهم على التطوع والمبالغة في العبادات، ووسع الله عليهم في الثياب والخير والمياه، فجاءت الشريعة بوجوب الغسل على من أولج ولو لم ينزل، فقال صلى الله عليه وسلم:"إذا التقى الختانان وجب الغسل". و"جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ماذا يفعل الرجل الذي يجامع أهله، ثم يكسل ولا ينزل؟ -وعائشة جالسة- فقال صلى الله عليه وسلم عليه الغسل، إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل".
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحكم الجديد لم ينتشر بعد، مما جعل الأنصار وبعض الصحابة يتمسكون بالحكم الأول، واتسعت دائرة الخلاف والجدل، واستفتى العامة الخاصة، فسأل زيد بن خالد الجهني عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن حكم الرجل يجامع أهله ثم يكسل، ولم يمن، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ كما يتوضأ للصلاة. سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسئل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، فأجابوا بما أحاب به عثمان، وسئل أبو هريرة فقال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس الرجل بين شعب المرأة الأربع وتمكن منها وأولج وجب الغسل وإن لم ينزل، وسئلت عائشة فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا التقى الختانان وجب الغسل"، وسئل أبي بن كعب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل".
واتسعت دائرة الخلاف أكثر وأكثر، وتعصب كل لرأيه، "فقد أخرج الطحاوي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قلت لإخواني من الأنصار: اتركوا الأمر، ولا داعي لهذا الجدل والتعصب، أرأيتم لو أننا اغتسلنا ونحن على ما نقول من أنه لا يجب الغسل؟ هل من ضرر؟ قالوا: لا والله لا نغتسل ولا تغتسل، حتى لا يكون في نفسك حرج مما قضى الله ورسوله في الرجل يأتي امرأته ولا ينزل.
واجتمع رهط من المهاجرين والأنصار، وحمي النقاش بينهما في المسألة وبينهم أبو موسى الأشعري، فقال: لا ينبغي أن نختلف وبيننا من يعلم الأمر حق العلم، أنا أكفيكم المهمة، وأشفي داء الخلاف، وقام وذهب إلى عائشة أم المؤمنين، فاستأذن. فأذنت له بالدخول: فقال: يا أم المؤمنين