للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقد شق علي اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، إني أعظم أن أستقبلك به، واستحيي أن أسألك فيه. فقالت: ما هو؟ لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك، إنني أمك وأم المؤمنين. فقال لها: الرجل يصيب أهله فيكسل ولا ينزل، فهل يجب عليه الغسل؟ قالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فقال أبو موسى: لا أسأل أحدا عن هذا بعدك أبدا.

وبلغ القوم بما روي، لكن الجدل لم يتوقف، وبلغ عمر أن نساء الأنصار تدخلت في نشر الفتوى بعدم الغسل: فقام يخطب فقال: إن نساء الأنصار يفتين أن الرجل إذا جامع فلم ينزل فإن على المرأة الغسل، ولا غسل عليه، وإنه ليس كما أفتين، وإذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل.

وكان المفروض أن ينتهي كل شيء بخطبة الفاروق، لكنه بلغه أن زيد بن ثابت يفتي الناس برأيه في الغسل من الجنابة، فقال علي به. فجاء زيد، فلما رآه عمر قال: أي عدو نفسه. "قد بلغت أنك تفتي الناس برأيك؟ فقال: يا أمير المؤمنين. بالله ما فعلت، لكني سمعت من أعمامي حديثا فحدثت به، من أبي أيوب ومن أبي بن كعب ومن رفاعة بن رافع، فأقبل عمر على رفاعة بن رافع فقال: وقد كنتم تفعلون ذلك؟ إذا أصاب أحدكم من المرأة فأكسل لم يغتسل؟ فقال: قد كنا نفعل ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأتنا فيه تحريم، ولم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نهي، قال عمر: ويعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ فقال: لا أدري، فأمر عمر بجمع المهاجرين والأنصار، فجمعوا له، فشاورهم، فأشار كثير منهم: لا غسل، وقال معاذ وعلي: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فقال عمر: هذا وأنتم أصحاب بدر، وقد اختلفتم، فمن بعدكم أشد اختلافا. فقال علي: يا أمير المؤمنين. إنه ليس أحد أعلم بهذا الأمر من أمهات المؤمنين. أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى حفصة، فقالت: لا علم إلي بهذا، فأرسل إلى عائشة. فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فقال عمر رضي الله عنه: لا أسمع برجل فعل ذلك ثم لم يغتسل إلا أوجعته ضربا، وجعلته نكالا. ولم ينكر ذلك عليه منكر، وصار إجماعا من الأمة وحسم الخلاف، ولم يشذ عن الجماعة إلا الظاهرية. والله أعلم.

-[المباحث العربية]-

(يوم الإثنين إلى قباء) مكان قريب من المدينة، وهو الذي استقبل فيه صلى الله عليه وسلم من أهل المدينة يوم الهجرة، وفائدة ذكره وذكر يوم الأثنين في الحديث التوثيق من الرواية، وأنه متأكد من كل ما جاء فيها حتى الزمان والمكان "وقباء" بضم القاف ممدود مذكر مصروف، وفي لغة مؤنث غير مصروف، وفي ثالثة مقصور.

(فصرخ به) أي ناداه بصوت عال، وفي القاموس: الصرخة الصيحة الشديدة والصراخ كغراب: الصوت، أو شديده، وعليه يرجح كون المعنى: فناداه بصوت معتدل لأنه المناسب لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقاره، ولا يقال: إن تعجل عتبان دليل على أن الصرخة كانت عالية مزعجة، لأنا نقول: إن الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يهتمون بلقائه، ويسارعون إليه، بمجرد العلم به وبمكانه صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>